خلافتهم، فلذلك سعوا في حفظ هذه الأحاديث وتنظيمها وتعديلها واجتهدوا في تقويتها.
ومن بعد ذلك كانت هذه الأحاديث تنتقل من فم هذا إلى إذن غيره، حتى استقرت وقرت في الكتب والمؤلفات، وفي مقدمتها صحيح البخاري وصحيح مسلم، ومن هذين الصحيحين انتقلت إلى كتب الحديث والتاريخ والتفسير، بل وردت في بعض كتب الشيعة أيضا، وضبطها بعض مؤلفي الشيعة في كتبهم الحديثية والتاريخية والتفسيرية، من دون تحقيق وتحليل وتأمل، ولإثبات ما قلناه ننقل خمس نماذج من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما ونسباها إلى الأنبياء (عليهم السلام)، ومن ثم نقوم بتحقيقها ونقدها، ثم نتطرق بعون الله تعالى إلى نقد وتحليل الأحاديث التي رواها الشيخان في كتابيهما مما تمت إلى شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصلة.
١ - كذبة إبراهيم الخليل (عليه السلام) وحرمانه من الشفاعة عن أبي هريرة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لم يكذب إبراهيم النبي (عليه السلام) قط إلا ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله، قوله: (إني سقيم) (١)، وقوله: ﴿بل فعله كبيرهم هذا﴾ (2) وواحدة في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيرك وغيري، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، فأتاه فقال: لقد قدمت أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها فأتي بها، فقام إبراهيم (عليه السلام) إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرك. ففعلت. فعاد، فقبضت أشد من القبضة الأولى. فقال لها: مثل ذلك ففعلت، فعاد. فقبضت أشد من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله أن لا أضرك، ففعلت. واطلقت