أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي - الصفحة ٤٧
أيضا، ومن هنا فلم يستطع أحد من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يروي أو يكتب ما سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله)، بل ألقوا ما كتبوا من الأحاديث في الماء أو أحرقوها بالنار، وتبريرا لما فعلوه تجاه الحديث وتثبيتا لهذه الخطيئة الغير علمية اختلقوا أحاديث ونسبوها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). نحو: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه (1) (2).
المنع في عهد أبي بكر:
إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم (صلى الله عليه وآله) فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه (3).
وقالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا. قالت: فغمني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية! هلمي بالأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها. فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك (4).

(١) صحيح مسلم ٤: ٢٢٩٨ كتاب الزهد والرقاق باب (16) باب التثبت في الحديث ح 72.
(2) والدليل على كون هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة والمختلقة هو عدم تمسك أبي بكر وعمر به، وسوف تقرأ في الفصول الآتية بأن أبا بكر وعمر قد تذرعا بمعاذير واهية واستدلا على منعهما نقل أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وتدوينها بأدلة تافهة وحجج ركيكة، ولو كان هذا الحديث مما قد ورد عن رسول الله حقا لتمسكا به في توجيه غايتهما، وأضف على هذا، ولو سلمنا صحة الحديث لكان الإمام مالك بن أنس (الموطأ) والإمام أحمد بن حنبل (المسند) ومؤلفو الصحاح والسنن والمسانيد هم أول من خالفوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسرعوا بعمل نهى عنه النبي (صلى الله عليه وآله).
ولذا ترى أن علماء أهل السنة استنكروا صدور هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو أنهم ادعوا صدوره واختصاصه بمجالات خاصة.
(3) تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 3.
(4) المصدر: 5.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست