هذا الحديث الذي نقله البخاري بهذه الكيفية أوضح دليل وشاهد على التدليس والتقطيع، وذلك لأن كل من كان لديه أقل معرفة بالحديث ونصوصه يعلم بمجرد رؤيته لهذا الحديث عدم تمامية الحديث وعدم استقامته، وأنه يحتوي على جملات وكلمات أخرى قد أسقطت، ويعلم كذلك أن أيد قد تدخلت فيه لإصلاحه وترقيعه.
ولم يخف ذلك على كثير من الحفاظ والعلماء الآخرين الذين نقلوا الحديث بكامله وبتمام ألفاظه، وأزاحوا قناع الخيانة والتدليس الذي وضعه البخاري عليه، فهذا ابن حجر بعد أن ذكر نص الحديث من رواية أخرى في شرحه لصحيح البخاري قال:
إن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله: ﴿وفاكهة وأبا﴾ (1) ما الأب؟ فقال عمر:
نهينا عن التعمق والتكلف.
إن هذا الحديث ورد بسندين عن ثابت ثم قال: ورد هذا الحديث بطرق أخرى عن ثابت وهو أولى مما ورد لثابت عن أنس لأن يكمل به الحديث الذي أخرجه البخاري (2).
فليعرف القارئ المنصف: إننا قد علمنا من قول ابن حجر المذكور ومن مقارنة للحديثين المنقولين في صحيح البخاري وشرحه فتح الباري: إن هذا الحديث كسائر الأحاديث التي لم تتماش مع هوى البخاري ومذهبه، وحيث أنه لم يتمكن من أن يوأم بين الحديث وبين تقديسه الخليفة عمر بن الخطاب رأى أن الحل الوحيد في ذلك هو أن يحذف صدر الحديث ويسقط منه الفقرات المهمة والحساسة التي تمس شأن الخليفة حتى يكون قد خدم - بفعله هذا - مذهبه وأدى ما عليه تجاه مسلكه وعقيدته وذلك لأن القارئ لو قرأ هذا الحديث قبل التدليس وإسقاط أوله وآخره يتبادر هذا السؤال إلى مخيلته وهو: لو كان التعرف واستنباط معنى كلمة من كلمات القرآن يعتبر تعمقا وتكلفا فعلى هذا لا يجوز الاستفسار عن أية مسألة دينية أخرى ولا يحق التفكر فيها.