أدخل مكة، فأسمر بها كما يسمر الشباب، فخرجت أريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدف والمزامير. فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا فلان تزوج ابنة فلان.
فجلست أنظر إليهم، فضرب الله على أذني فنمت، فما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما صنعت شيئا، ثم أخبرته الخبر.
ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، فقال: افعل. فخرجت فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة، فجلست أنظر فضرب الله على أذني، فما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر. ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني الله برسالته (١).
أقول: إن هذا النبي الذي حضي في صغره بألطاف وعنايات ربانية، ومنع بالفعل عن الاشتراك في مجالس اللهو، ولم يخطر على باله ولو للحظة واحدة أن يشارك أهل الجاهلية في عملهم، فكيف به بعد أن نال رتبة النبوة وبعث رسولا وهو يشرف على الشيب أن يغير سيرته، فيشترك في حفلات النساء وتخدمه العروس الشابة، ويدعو زوجته لمشاهدة الأجانب؟ أليست هذه الأعمال من تراث الجاهلية وعاداتها؟ أليست هذه الأعمال قد منعت شرعا، وجاء تحريمها في الإسلام وعلى لسان النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)؟
الغناء في القرآن:
ثمة آيات عديدة ومتظافرة تدل دلالة واضحة على حرمة الغناء والموسيقى، وقد أشار إلى ذلك المفسرون، نذكر منها ثلاث آيات على سبيل التمثيل لا الحصر:
١ - قوله تعالى: ﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مبين﴾ (2).