ولا أريد أن أقول: إن النظافة مسألة فطرية وغريزية مودعة حتى في الحيوانات بحيث تشعر بها بشعورها الذاتي، وأنها تسعى عند البول أن لا تتلوث به.
ولا أريد أن أقول: أن النظافة من البول مسألة بديهية يعرفها حتى أبو موسى الأشعري وكان يشدد فيها.
ولا أريد أن أقول: أن مسألة البول عند بني إسرائيل - كما حدثنا أبو موسى - كانت مهمة للغاية بحيث إنهم كانوا يقرضون ثيابهم إذا أصابها بول.
إنا نغض النظر عن كل هذه المسائل لأن قبح المسألة بديهي، حتى أن علماء العامة وشراح الصحيحين أذعنوا لذلك، واعترفوا بكون هذه المسألة ونسبتها إلى النبي هي إهانة واستخفاف بشأن النبوة، ولذا عمدوا إلى توجيه وتأويل الأحاديث المذكورة، وذكروا لها معاذير واهية التمسوا عذرا هو أقبح من الذنب.
أعذار أقبح من الفعل:
قال شراح صحيحي مسلم والبخاري في تبريرهم لهذين الحديثين:
1 - إن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، فلعل كان به (صلى الله عليه وآله) وجع الظهر فتأسى بآداب الجاهلية فبال قائما.
2 - أنه بال قائما لعلة بمأبضه - أي باطن الركبة - بحيث تمنعه من الجلوس.
3 - أنه لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام.
4 - البول قائما يحصن الإنسان من خروج الحدث من مخرج الغائط، ولكن هذه الحصانة غير مأمونة عند الجلوس، ولذا قال عمر: البول قائما أحصن للدبر (1)، ولعل النبي بال قائما عملا بهذا الاحتمال.
5 - أنه (صلى الله عليه وآله) كان يبول قائما أحيانا لكي يبقى حكمه الجواز.