أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي - الصفحة ١٥٦
٤ - علاوة على ما حكته لنا هذه الأحاديث من التجسيم والتشبيه فإنها تذكر مسائل حول السماوات والعرش والكرسي، واستقرار العرش فوق الأوعال التي تفصل بين أظلاف كل منها وركبتها مسافة خمسمائة عام... وكل هذه الأشياء تستقر كل ذلك على الماء.
وهذه الأمور ليست خفية على المطالع اللبيب المحقق. وعليه أن يحكم على مثل هذه الأحاديث.
رأي أهل السنة في مكان الله إن نظرة سريعة وخاطفة لكتب الكلام وغيرها تعطي الإنسان بصيرة أكثر على ما يعتقده علماء أهل السنة وأئمة مذاهبهم الأربعة - الحنبلية، الحنفية، المالكية والشافعية - في مسألة مكان الله تعالى هو ما أخذوه من الأحاديث المروية عندهم في الصحاح، بأنهم يعتقدون أن الله استوى على العرش، وهذا الرأي هو ما يعتنقه علماؤهم المعاصرون أيضا تبعا لأسلافهم.
فهذا الإمام أحمد بن حنبل أحد المعتقدين بهذا الرأي يقول بأن الله قد استوى فوق العرش، وتراه عندما يواجه الآية الكريمة ﴿وهو معكم أينما كنتم﴾ (1) - التي تثبت عدم اختصاص المكانية لله عز وجل وإنها من الدلائل السماعية التي تدل بوضوح على إحاطته الكاملة بجميع الأمكنة وعدم خلو مكان منه تعالى - فقام بتأويلها بعلم الله وقال:
أن المراد هو إن الله يعلم جميع الأعمال ولا يخفى عليه شئ وليس المراد المعية (2).
وهذا أيضا الإمام أبو حنيفة هو الآخر يرى بأن الله مستقر على العرش. ويروي الذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) (3) عن نوح الجامع أنه قال: كنت عند أبي حنيفة أول

(١) الحديد: ٤.
(2) تفسير المنار 9: 131.
(3) شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي - 748 ه‍ - أحد علماء أهل السنة المعروفين، وله كتب عديدة في شتى العلوم منها هذا الكتاب الذي ألفه لإثبات هذه العقيدة بأن الله قد استوى على العرش، طبع هذا الكتاب سنة 1388 ه‍ بالقاهرة ونشرته المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست