كان أبو زرعة بمكانته العلمية هذه ينتقد مسلم ونظائره واعتبرهم متظاهرين بالحديث ومتاجرين به، وكان يقول بأن بعض أحاديث صحيح مسلم ليس بصحيح.
وقال الخطيب عن سعيد بن عمرو قال: شهدت أبا زرعة الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج ثم المصوغ على مثاله - صحيح البخاري، فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتشوفون به، ألفوا كتابا لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رئاسة قبل وقتها. وأتاه ذات يوم - وأنا شاهد رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر، فقال أبو زرعة:
ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر، ثم رأى في كتابه قطن بن نصير فقال لي: وهذا أطم من الأول (1).
وذكر الذهبي قصة أبي زرعة ولكنه أتى بكلمة يتسوقون - يتاجرون - بدلا عن كلمة يتشوفون - يتظاهرون (2) -.
موقف النووي من الصحيحين:
الفاضل النووي شارح الصحيحين البخاري ومسلم، له صيت في علم الرجال، وألف كتبا متعددة في علم الحديث والرجال، وتعد كتبه مرجعا، تراه يشك ويتردد في صحة بعض أحاديث الصحيحين، وأحيانا يبدي رأيه بالصراحة ببطلان بعضها.
فقد قال في مقدمة شرحه على صحيح مسلم: وأما قول مسلم - وادعاؤه في صحيحه بأن ليس كل شئ صحيح عندي وضعته فيه فحسب، بل جمعت في كتابي الصحيح كل ما اتفق الجمهور على صحته - فمشكل فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلف في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه (3).