وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم نكلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتى أن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها (1).
الحديث في عهد خلفاء بني أمية:
وبعد أن نقل أبو الحسن المدائني مصير الحديث في عهد معاوية حسب ما نقلنا عنه بالتفصيل تطرق إلى ما آل إليه الأمر عندما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة لمدة إحدى وعشرين سنة فاشتد البلاء والتنكيل بالشيعة على نحو لم يكن له شبيه في عهد معاوية. ثم ذكر المدائني نموذجا من جرائم والي الخليفة الأموي في الكوفة الحجاج بن يوسف الثقفي بحق الشيعة وقال:
إن إنسانا وقف للحجاج فصاح به: أيها الأمير، إن أهلي عقوني فسموني عليا، وإني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج.
فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به فقد وليتك كذا (2).
الخطوة الأولى في تدوين الحديث:
كان وضع الحديث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو كما أوردناه، ففي عهد خلفاء بني أمية