دلائل اختلاق القصة:
إن كون هذا الحديث من السخافات الموضوعة هو من أوضح الواضحات، بحيث يغنينا عن البحث والتكلف في جهات الحديث، لأن إحدى الروايات تقول: إن القصة وقعت في المدينة، فيا ترى أن نبيا عاش في الجزيرة العربية خمسين عاما وعاشر أهلها، ويراهم يلقحون النخيل في كل عام، هل يعقل بمجرد أن هاجر إلى يثرب نسي هذا الأمر - التلقيح -؟ ولم يعلم مدى تأثير التلقيح على النخلة ورشدها حتى منع أهل يثرب عن هذا العمل، ولما رأى أن المسألة صارت معكوسة ندم على قوله، ثم أعلن للناس أنتم أعلم بأمور دنياكم؟
لا يخفى أن الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي (صلى الله عليه وآله) بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة يوما أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله) وينقضوا أوامره، فهم يملكون دليلا، ويستدلون على مخالفتهم بأن النبي قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخيل وبعدها قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
ومما يجدر ذكره أن هؤلاء عالجوا هذه المسألة بتلبيسها الوجهة العلمية والفنية وأسموها بالاجتهاد، وادعوا بأن الرسول إذا أمر بحكم ولم يكن هذا الحكم في القرآن ولا علاقة له بالوحي فإنه يكون من اجتهاداته (صلى الله عليه وآله). ومخالفة المجتهدين بعضهم بعضا في المسائل العلمية أمر عادي ولا يرد عليه إشكال.
وإليك آراء علماء العامة في هذا الموضوع:
هل كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يتعبد بالاجتهاد؟
قال الآمدي: اختلفوا في أن النبي هل كان متعبدا بالاجتهاد فيما لا نص قرآني فيه؟
فقال أحمد بن حنبل والقاضي أبو يوسف: إنه كان متعبدا، وجوز ذلك الإمام الشافعي في رسالته، وبه قال أصحابه والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري: نعم،