إبداع مادة قانونية:
أما ما يرتبط من هذه الموارد الأربع المذكورة ببحثنا هو الموردين الأوليين - أي مصادرة ميراث النبي وغصبه، والآخر وضع حديث مزيف بحيث صار قانونا لمن يأتي بعده - ولما كان موضوع مصادرة الإرث وغصب فدك من مسلمات الحوادث التاريخية المتفق عليها عند السنة والشيعة، لذلك لم نر لزوما للبحث فيها، فعلى هذا فإن البحث منحصر في المورد الثاني.
كان الخليفة أبو بكر في تلك اللحظات الحساسة بحاجة ماسة إلى ذريعة قوية ووسيلة شرعية، حتى تمكنه من الوصول إلى ما نواه من مصادرة ميراث النبي وإخراج ما كان عليه يدي الزهراء ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله) من ملكيتها، ويجعلها جزءا من الأنفال العامة المتعلقة ببيت المال، وهو في نفس الوقت كان يفكر أن لا يواجه هزيمة في منازعته مع الجانب الآخر يعني فاطمة الزهراء (عليها السلام) ويكون هو المنتصر عند الرأي العام، فما كانت ذريعة أقوى وأدحض لمطالبة الجانب الآخر من أن يضع ويختلق حديثا وينسبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) إذ يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.
هذا الحديث في معارضته ومناقضته للنصوص القرآنية صريح وواضح، وزد على هذه المخالفة ما فيه من معاكسته لكثير من الحقائق الأخرى التي سنذكرها:
فلو كان الحديث المنسوب إلى النبي صحيحا فلم لم يرويه أحد من أهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه سوي أبي بكر، وحتى ابنته وصهره (عليه السلام) وكذا أزواجه لم يسمعوا بمثل هذا الخبر من النبي (صلى الله عليه وآله)؟
ألم تكن وظيفة الرسول (صلى الله عليه وآله) وفقا للآية ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ (1) أن يخبر به ابنته (عليها السلام) صاحبة الحق وصهره الإمام علي (عليه السلام) الذي كان ملازما له دائما لكي لا تطالب بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) بالإرث وكذا يصنع من حدوث الاختلاف بين أهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه؟