والخلاف الثاني أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنها ".
فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره - وأسامة قد برز عن المدينة - وقال قوم: اشتد مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تسع قلوبنا مفارقته، فنصبر حتى نبصر أي شيء (1) يكون آخره. (2) هذا كلام الشهرستاني بعبارته.
ويقرب منه ما قال الآمدي:
كان المسلمون عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عقيدة واحدة وطريقة واحدة إلا من كان يبطن النفاق، ويظهر الوفاق. ثم نشأ الخلاف بينهم، وذلك كاختلافهم عند قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرض موته: " ائتوني بقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ".
حتى قال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله. وكثر اللغط في ذلك حتى قال النبي: " قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع ".
قلت: اللغط - بإعجام الغين وإهمال الطاء وبالتحريك -: أصوات مبهمة غير مفهومة المعنى بضجة وهوشة، يقال: لغط القوم يلغطون لغطا، وألغطوا يلغطون إلغاطا. ومن بدع التصاحيف بحسب المعنى ما حكوه عن أبي موسى الأشعري أنه قال: " نحن قوم لنشرف، ونحن من عنزة صلى إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". (3) يريد بذلك ما روي " أنه (صلى الله عليه وسلم) صلى إلى عنزة ". وهي - بالتحريك -: حربة أطول من العصا وأقصر من الرمح مثل نصفه أو أزيد من النصف يسيرا، وفيها سنان كسنان الرمح ينصبها المصلي بين يديه ستيرة، فتوهم أنه (صلى الله عليه وآله) صلى إلى قبيلتهم بني عنزة.
قالوا: وهذا تصحيف معنوي عجيب. (4) ثم من تتمات المقام أنه قد وقعت من الذين شاركونا في الصناعة، ولم