ولقد أغرب مهذب علومهم وعلامة علمائهم محمد بن عبد الكريم الشهرستاني - مع شدة عتوه في تعصبه وفرط عناده في مذهبه - فيما صنع في كتاب الملل والنحل حيث قال في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها في الأول ومن مظهرها في الآخر:
اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليقة: شبهة إبليس، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الأمر - وساق القول في ذكرها إلى حيث قال -: إن الشبهات السارية في أذهان الناس كلها ناشئة من شبهات اللعين الأول.
- ثم قال -: المقدمة الرابعة في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية، وكيف انشعابها، ومن مصدرها، ومن مظهرها؟ وكما قررنا أن الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أول الزمان، كذلك يمكن أن نقرر في زمان كل نبي، ودور صاحب كل ملة وشريعة: أن شبهات أمته في آخر زمانه ناشئة من شبهات خصماء أول زمانه من الكفار والمنافقين، وأكثرها من المنافقين وإن خفي علينا ذلك في الأمم السالفة؛ لتمادي الزمان.
فلم يخف من هذه الأمة أن شبهاتها كلها نشأت من شبهات منافقي زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذ لم يرضوا بحكمه فيما يأمر وينهى. - وذكر حديث ذي الخويصرة التميمي وساق البيان إلى أن قال -: والمنافقون يخادعون، فيظهرون الإسلام ويبطنون النفاق، وإنما يظهر نفاقهم في كل وقت بالاعتراض على حركات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسكناته فصارت الاعتراضات كالبذور؛ فظهرت منها الشبهات كالزروع.
- ثم ذكر اختلافات الواقعة في حال مرضه وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الصحابة فقال -:
فأول تنازع وقع في مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه محمد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: لما اشتد بالنبي مرضه الذي توفي فيه قال:
" ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي " فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع ".
قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله.