الاستفهام الإنكاري هناك مع ما قد جرى الحال عليه من المنع والردع من تمشية قول النبي (صلى الله عليه وآله) وعن امتثال أمره (صلى الله عليه وآله) بالإتيان بالدواة والقرطاس؟!
ثم من كان تصور مصيبة النبي (صلى الله عليه وآله) - مع حياته - يغير عليه الحال، ويسلب عنه الاختيار إلى حيث يوقعه في إطلاق الهذيان على كلامه (صلى الله عليه وآله)، والحيلولة بين الأمة وبين كتابه العاصم عن الضلال بعده، ليته يكون بعد موته (صلى الله عليه وآله) والوقوع في فجيعة مأتمه ورزية فراقه مشدوها (1) بعظم المصيبة عن تدبير الخلافة والسعي في سبيل تقمصها، وبتجهيز الحبيب ودفنه وتسليته أصحاب مصيبته، من عترته وحامته وأهله وأولاده عن حضور السقيفة وطلب الرئاسة، وتزوير البيعة لها وسل السيف عليها.
فأما ما قال ابن الأثير في نهايته:
منه حديث مرض النبي " قالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ " أي اختلف كلامه بسبب المرض، على سبيل الاستفهام، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ هذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل (2) إخبارا فيكون إما من الفحش أو الهذيان. والقائل كان عمر ولا يظن (3) به ذلك. (4) فهو وإن كان أحسن من كلام النووي وغيره على ما قاله؛ لكنه أيضا ليس مما ينفع عمر ويجديه أصلا؛ لأن تسويغ احتمال الفحش أو الهذيان في كلام النبي (صلى الله عليه وآله) - كما هو مقتضى مقام الاستفهام - يكفي في حروف المستفهم عنه عن حريم حرم الإسلام.
ثم مخالفة أمره وعصيان حكمه ومنع المأمورين من جنابه بالإتيان بالدواة والقرطاس عن الامتثال - مع ما قد نص على أنه يريد أن يكتب لهم كتابا يعصمهم عن الضلال - مما لا تسعه دائرة صلوح التأويل، ولا يحويه نطاق تجشم الاعتذار.