قال الكرماني في شرح صحيح البخاري:
قال النووي: هو بهمزة الاستفهام الإنكاري، أي أنكروا على من قال: لا تكتبوه، أي لا تجعلوا [أمره] كأمر من هذى في كلامه. وإن صح بدون الهمزة فهو أنه لما أصابه الحيرة والدهشة لعظم ما شاهده من هذه الحالة الدالة على وفاته وعظم المصيبة، أجرى الهجر مجرى شدة الوجع.
أقول: هو مجاز؛ لأن الهذيان الذي للمريض مستلزم لشدة الوجع فأطلق الملزوم وأراد اللازم، أو هو من الهجر ضد الوصل، أي هجر من الدنيا. وأطلق بلفظ الماضي؛ لما رأوا فيه من علامات الهجرة من دار الفناء. وفي بعضها أهجر من باب الإفعال. (1) انتهى كلامه.
قلت: مما لا يخفى على المتدرب في الفنون العربية، والعلوم اللسانية أن ما بمعنى " الهجرة " من مكان إلى آخر إنما هو " هاجر " على وزن فاعل من المفاعلة، لا " هجر " على وزن فعل، أو " أهجر " على وزن أفعل، فإنهما من الهجر بمعنى الهذيان، والإهجار بمعنى الفحش والتخليط، كما أن الفعل من ضد الحضر من بلد مثلا إلى آخر: سافر يسافر، لا سفر يسفر، أو أسفر - يسفر، فإنهما من السفارة بمعنى الرسالة والكتابة، والإسفار بمعنى الإضاءة والإشراق.
وأما " الهجر " ضد الوصل، فالصحيح فيه: هجر فلان فلانا يهجره هجرا، لا هجر فلان من بلد كذا أو من مقام كذا، وكذلك " سفر " فهو سافر، فالصحيح فيه أنه من السفر - بالتسكين - بمعنى الخروج إلى السفر لا بمعنى السفر والمسافرة من بلد إلى بلد.
فتوجيه الكرماني تصحيف غلط معنوي. وإنما كان يتصحح له وجه لو كان قال عمر: ما شأنه؟ أهجرنا؟ على أن فيه أيضا من البشاعة ما لا يتكلفه ذو ذوق صحيح.
وأما تأويل النووي ففيه تصحيفان غلطان: لفظي ومعنوي، وكيف يصح صوغ