قال فشبه الذنب الطويل السابغ بذيل الهدي وان لم يبلغ في الطول إلى أن يمس الأرض.
[قال الشريف] رضي الله عنه وللبحتري وجه في العذر يقرب من عذر امرئ القيس في قوله مثل ذيل العروس غير أن الآمدي لم يفطن له وأول ما أقوله ان الشاعر لا يجب أن يؤخذ عليه في كلامه التحقيق والتحديد فان ذلك متى اعتبر في الشعر بطل جميعه وكلام القوم مبنى على التجوز والتوسع والإشارات الخفية والايماء على المعاني تارة من بعد وتارة من قرب لأنهم لم يخاطبوا بشعرهم الفلاسفة وأصحاب المنطق وإنما خاطبوا من يعرف أوضاعهم ويفهم أغراضهم وإنما أراد البحتري بقوله - ذنب كما سحب الرداء - المبالغة في وصفه بالطول والسبوغ وأنه قد قارب أن ينسحب وكاد يمس الأرض ومن شأن العرب أن تجري على الشئ الوصف الذي قد كان يستحقه وقد قرب منه القرب شديد فيقولون قتل فلانا هوي فلانة ووله عقله وزال تمييزه وأخرج نفسه وكل ذلك لم يقع وإنما أراد والمبالغة وإفادة المقاربة والمشارفة ولنظائر ذلك أكثر من أن تحصى ومن شأنهم أيضا إذا أرادوا المبالغة التامة أن يستعملوا مثل هذا فيشبهون الكفل بالكثيب وبالدعص وبالتل ويشبهون الخصر بوسط الزنبور وبمقدار حلقة الخاتم ويعدون هذا غاية المدح وأحسن الوصف ونحن نعلم أنا لو رأينا من خصره مقدار وسط الزنبور وكفله كالكثيب العظيم لاستبعدناه واستهبجنا صورته لنكارتها وقبحها وإنما أتوا بألفاظ المبالغة صنعة وتأنقا لا لتحمل على ظواهرها تحديدا وتحقيقا بل ليفهم منها الغاية المحمودة والنهاية المستحسنة ويترك ما وراء ذلك فإنا نفهم من قولهم خصرها كخصر الزنبور انه في غاية الدقة المستحسنة في البشر ومن قولهم كفلها كالكثيب أنه في نهاية الوثارة المحمودة المطلوبة لا أنه كالتل على التحقيق فهكذا لا ننكر أن يريد البحتري بقوله كما سحب الرداء أنه في غاية الطول الممدوح المحمود لا انه ينجر في الأرض علي الحقيقة ووكلنا في تخليص معناه وتفصيله إلى العادة الجارية لنظرائه من الشعراء في استعمال مثل اللفظ الذي استعمله. قال بعضهم في ثقل العجيزه تمشى فتثقلها روادفها * فكأنها تمشى إلى خلف