فكأنه قال إن شاء الله يخليني ولا يمنعني وفى الناس من قال القصد بذلك أن يقف الكلام على جهة القطع وإن لم يلزم به ما كان يلزم لولا الاستثناء ولا ينوى في ذلك الجاء ولا غيره وهذا الوجه يحكى عن الحسن البصري.. واعلم إن للاستثناء الداخل على الكلام وجوها مختلفة فقد يدخل على الايمان والطلاق والعتاق وسائر العقود وما يجرى مجراها من الاخبار فإذا دخل ذلك اقتضى التوقيف عن إمضاء الكلام والمنع من لزوم ما يلزم به وإزالته عن الوجه الذي وضع له ولذلك يصير ما تكلم به كأنه لا حكم له ولذلك يصح على هذا الوجه أن يستثنى في الماضي فيقول قد دخلت الدار إن شاء الله ليخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبرا قاطعا أو يلزمه حكم وإنما لم يصح دخوله في المعاصي على هذا الوجه لان فيه إظهارا للانقطاع إلى الله تعالى والمعاصي لا يصح ذلك فيها وهذا الوجه أحد ما يحتمله تأويل الآية وقد يدخل الاستثناء في الكلام فيراد به اللطف والتسهيل.. وهذا الوجه يخص بالطاعات ولهذا الوجه جرى قول القائل لأقضين غدا ما على من الدين ولاصلين غدا إن شاء الله مجرى أن يقول إني أفعل ذلك إن لطف الله تعالى فيه وسهله فعلم أن المقصد واحد وأنه متى قصد الحالف فيه هذا الوجه لم يجب إذا لم يقع منه هذا الفعل أن يكون حانثا وكاذبا لأنه إن لم يقع علمنا أنه لم يلطف له فيه لأنه لا لطف له وليس لاحد أن يعترض هذا بأن يقول الطاعات لابد فيها من لطف وذلك لان فيها ما لا لطف فيه جملة فارتفاع ما هذه سبيله يكشف عنه أنه لا لطف فيه وهذا الوجه لا يصح أن يقال في الآية أنه يخص الطاعات والآية تتناول كلما لم يكن قبيحا بدلالة إجماع المسلمين على حسن الاستثناء ما تضمنه في كل فعل لم يكن قبيحا وقد يدخل الاستثناء في الكلام فيراد به التسهيل والاقدار والتخلية والبقاء على ما هي عليه من الأحوال وهذا هو المراد به إذا دخل في المباحات وهذا الوجه يمكن في الآية إلا أنه يعترضه ما ذكره أبو علي مما حكيناه من كلامه وقد يذكر استثناء المشيئة أيضا في الكلام وإن لم يرد به في شئ مما تقدم بل يكون الغرض إظهار الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد إلى شئ من الوجوه المتقدمة وقد يكون هذا الاستثناء غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا لأنه في الحكم كأنه قال لأفعلن كذا ان وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى وإظهاري
(٣٥)