لا قوت لها هي وخادمتها إلا مما تبرها الناس، فلما مات أبى اختل أمرها، وبلغ تجنى جارية الوزير المهلبي خبرها فكانت تقوم بأمرها، وأجرت عليها جرابة في كل شهر وكسوة في كل سنة. قال فباتت ليلة من الليالي على حالها تلك. ثم أصبحت من غد وقد برئت، ومشت، وقامت. وقعدت، وكنت مجاورا لها فكنت أرى الناس يتناوبون باب دارها فأنفذت امرأة من داري ثقة تعرفها حتى شاهدتها وسمعتها تقول: إني ضجرت من نفسي ضجرا شديدا، فدعوت الله عز وجل طويلا بالفرج مما أنا فيه أو بالموت، وبكيت بكاء متصلا وبت وأنا قلقلة متألمة ضجرة وكان سبب ذلك: أن الخادمة تضجرت وخاطبتني بما ضاق منه صدري فلما استثقلت في نومي دخل على رجل فارتعدت منه وقلت: يا هذا كيف تستحل أن تراني؟ فقال أنا أبوك فظننته أمير المؤمنين. فقلت: يا أمير المؤمنين ما ترى ما أنا فيه؟ فقال: أنا أبوك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكيت، وقلت يا رسول الله: ادع لي بالعافية. قال فحرك شفتيه بشئ لم أفهمه ثم قال: هاتي يديك فأعطيته يدي، فأخذها وجذبني بهما فقمت، فقال لي: أمشي على اسم الله تعالى. فقلت:
كيف أمشى؟ فقال: يديك فأخذهما وما زال يمشى وهما في يديه ساعة.
ثم أجلسني حتى فعل بي ذلك ثلاث مرات، ثم قال: قد وهب الله عز وجل لك العافية فاحمديه واتقيه، وتركني ومضى. فانتبهت وأنا لا أشك أنه واقف لسرعة المنام. فصحت فظنت الجارية أنى أريد البول فتثاقلت. فقلت:
ويحك أسرجي السراج فانى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم. فانتبهت المرأة فوجدتني مسجاة فشرحت لها المنام. فقالت: أرجو أن يكون الله عز وجل قد وهب لك العافية هاتي يديك فأعطيتها يدي فأجلستني. ثم قالت لي: قومي فقمت معها ومشيت متوكئة عليها ثم جلست وفعلت ذلك ثلاث مرات.
الأخيرة منهن مشيت وحدي فصاحت الخادمة سرورا بالحال وإعظاما لها فقدر الجيران أنى قدمت فجاؤني فقمت ومشيت معهم. قال أبو محمد: وما زالت قوتها تزيد إلى أن رأيتها قد جاءت إلى والدتي في خف وإزار بعد أيام ولا قلبة بها فبررتها وهي باقية وهي من أصلح النساء. وأورعهن