يتعلم الاحداث في الدواوين إذ ورد كتاب صاحب بريد الثغور الشامية على عبد الملك يخبره فيه أن خيلا من الروم تراءت للمسلمين فتفرقوا إليها ثم رجعوا ومعهم رجل قد كان أسر في أيام معاوية بن أبي سفيان فذكروا أن الروم لما توافقوا أعلموهم أنهم لم يأتوا لحرب، وإنما جاؤوا بهذا المسلم ليسلموه إلى المسلمين لان عظيم الروم أمرهم بذلك. وذكر صاحب البريد أن النافرين ذكروا أنهم سألوا المسلم عما قالت الروم فوافق قوله قولهم، وذكر أن الروم قد أحسنوا إليه فانصرفوا عنهم وأخذوه وإني سألته عن سبب مخرجه فذكر أنه لا يخبر بذلك أحدا دون أمير المؤمنين، فأمر عبد الملك بإحضاره له، ولما حضر قال له: من أنت؟ قال أنا قبات بن رزين اللخمي أسكن فسطاط مصر في الموضع المعروف بالحمراء أسرت في خلافة معاوية وطاغية الروم إذ ذاك ورقاء بن مورقة. فقال عبد الملك بن مروان: فكيف كان فعله بكم؟ قال لا أحد أشد عداوة للاسلام وأهله منه إلا أنه كان حليما، وكان المسلمون في أيامه أحسن حلا منهم في أيام غيره إلى أن أفضى الامر إلى ابنه فقال في أول ما ملك: إن الاسراء إذا طال مكثهم ببلد آنسوا به ولو كان على غاية الرداءة، وليس شئ أنكر لقلوبهم من نقلهم من بلد إلى بلد، وأمر باثني عشر قدحا، وكتب في رأس كل واحد منها اسم واحد من بطارقته الاثني عشر يضرب بالقداح في كل سنة أربع مرات فمن خرج إليه القدح الأول حول إليه المسلمون فاحتبسهم عنده شهرا، ومن صار إليه القدح الثاني صاروا إليه بعد البطريق الذي كانوا عنده في الشهر الأول، ومن خرج إليه القدح الثالث حولهم إليه بعد الشهر الثاني، ثم أعيدت القداح بعد ذلك. قال قبات: فكنا لا نصير إلى واحد من البطارقة إلا قال: إحمدوا الله عز وجل حيث لم يبتليكم ببطريق الرخان. قال: فكنا نرتاع لذكره ونحمد ربنا عز وجل على أن لم يكن يبتلينا برؤيته (قال): فمكثنا عدة سنين ثم ضرب بالقداح فخرج القدح الأول والثاني لبطريقين من البطارقة، وخرج
(١٤٥)