هيئة المنارة مجوف من باطنه، وله من داخله مدرج قد جعل في مواضع من التدريج مستراحات، وفى كل مستراح شبيه بالبيت يجلس فيه رجل وأحد كأنه على مقداره يكون فيه مكبوبا على وجهه ليس يمكنه أن يجلس ولا يمد رجله، فلما قدم بمحمد حبس في أسفل بيت منه، فلما استقر به أصابه من الجهد لضيقته وظلمته، ومن البرد لندى الموضع ورطوبته ما كاد يتلفه من ساعته، فتكلم بكلام دقيق سمعه من كان في أعالي البئر ممن وكل بالموضع فقال:
إن كان أمير المؤمنين يريد قتلى فالساعة أموت وإن لم يكن يريد ذلك فقد أشفيت عليه. فأخبر المعتصم بذلك فقال: ما أريد قتله، وأمر بإخراجه فأخرج وقد زال عقله وأغمى عليه فطرح في الشمس وطرحت عليه لحف، وأمر بحبسه في بيت كان بنى في البستان فوقه غرفة وكان في البيت خلاء إلى الغرفة التي تليها وفى الغرفة أيضا خلاء آخر إلى سطحها فلم يزل محبوسا فيه إلى أن تهيأ له الخروج ليلة الفطر سنة تسع عشرة ومائتين (قال): فحدثني علي بن الحسين بن عمر بن علي بن الحسين وهو ابن عم أبيه، قال: أصبحت يوم الفطر أتهيأ للركوب فأنا أشد منطقتي في وسطى وقد لبست ثياب أبا در الركوب إلى المصلى ما راعني إلا محمد بن القاسم قد دخل إلى منزلي فملئت رعبا وذعرا، وقلت له كيف تخلصت؟ قال أنا أدبر أمرى في التخلص منذ حبست، ثم وصف لي الخلاء الذي كان في البيت الذي حبس فيه إلى الغرفة التي فوقه، والخلاء الذي كان في الغرفة إلى سطحها وأنه أدخل معي يوم حبست لبد فكان وطائي وفراشي (قال): وكنت أرى بغرش وهي قرية من قرى خراسان حبالا تعمل فيها من لبود مرصع كما يفعل بالسبور فتجئ احكم شئ فسولت لي نفسي أن أعمل من اللبد التي تحتي حبلا وكان على باب البيت قوم وكلوا بي يحفظوني لا يدخل على منهم أحد إنما يكلموني من خلف الباب ويناولوني من تحته ما أتقوته. فقلت لهم: إن أظفاري قد طالت جدا وقد احتجت إلى مقراض فجاءني رجل منهم كان يميل إلى مذهب الزيدية بمقراض أحد جانبيه منقوش نقش المسحل. وقلت لهم:
إن في هذا البيت فيرانا يؤذونني ويقذرونني إذ قربوا منى فاقطعوا لي جريدة