عليل فلما كان بعد شهور رأيته في بعض الطرق بزي التجار وقد شاب فقلت:
فلان؟ قال: نعم عبدك يا سيدي. فقلت ما هذا الشيب في هذه الشهور اليسيرة، وما هذا الذي أراه، وأين كنت فتلجلج فقلت لغلماني احملوه إلى داري وقلت: حدثني حديثك؟ قال: على إن لي الأمان والكتمان. فقلت: نعم.
فقال: كان الرسم على كل عريف من الفراشين في دار الخليفة أن يدخل يوما من الأيام هو ومن في عرافته إلى دور الخدمة والحرم لرش الخيوش التي فيها فبلغت النوبة إلى يوما كنت فيه مخمورا فدخلت ومعي رجالي إلى دار فلانة وذكر حظية جليلة من حظايا المقتدر فلعظم ما كنت فيه من الخمر ما رشيت قربتي، ولم أخرج بخروج الرجال وقلت لهم انصرفوا فهاتوا قربكم لاتمام الرش فإذا رششتم فنبهوني فانى نائم هنا، ودخلت خلف الخيش إلى باب باذاهنج يخرج منه ريح طيبة ونمت وغلب على النوم إلى أن جاء الفراشون ففرغوا من رش الخيش فعلمت أنى مقتول ان أحس بي القوم فتحيرت فلم أدر ما أعمل فدخلت الباذاهنج وكان ضيقا فجعلت رجلي على حائط الباذاهنج وتعلقت فيه ووقفت متعلقا أترقب أن يفطن بي، فإذا بنسوة فراشات يكنسن الخيش فلما فرغوا من ذلك فرشنه وهيئ فيه مجلس للشرب ولم يكن بأسرع من أن جاء المقتدر وعدة جوار فجلس وأخذت الجواري في الغناء، وأنا أسمع ذلك كله وروحي تكاد تخرج فإذا أعييت نزلت فجلست في أرض الباذاهنج فإذا استرحت وخفت أن يفطن بي القوم وعدت وتعالقت إلى أن مضت قطعة من الليل ثم عن للمقتدر جذب حظيته إليه التي هي صاحبة تلك الدار فانصرف باقي الجواري وخلى الموضع فواقع المقتدر الجارية وأنا أسمع حركتهما وكلامهما ثم ناما في مكانهما وأنا لا سبيل لي للنوم لحظة واحدة.
لما نابني من الخوف، ففكرت في أن أخرج وأصعد إلى بعض السطوح ثم علمت أنى ان فعلت ذلك تعجلت القتل ولم تزل تلك حالي إلى أن انتبه المقتدر في السحر وخرج من الموضع فلما كان في غد نصف النهار جاء عريف آخر من الفراشين ومعه فراشيه فخرجت فاختلطت بهم. فقالوا أي شئ تعمل