ولا يدرك مغزى هذه الحقيقة إلا أهل التحقيق والعلم والفقه، مما يزاول البحوث العلمية، فيجدون إن مسألة واحدة من المسائل الفقهية كم تستوعب من الوقت والجهد، وكم تتشعب فيه البحوث اللغوية، والأصولية، وتحقيق المتون ونقد الأسانيد، وملاحظة المعارضات والترجيحات، ودفع المناقضات وما إلى ذلك من جهود جبارة يبذلها الفقهاء العظام، لتحديد معالم الأمة في العلم والعمل، ببلورة المسائل واستنباطها.
رابعا - وأخيرا -:
إن في مقدمة المؤلف على وضعه بإثباته ما في النسخ، وعدم تصرفه في المنقولات، فسح المجال للعلماء الذين يقفون على النص بنسخه المختلفة ليتمكنوا من إبداء آراءهم، وإعمال خبراتهم في انتخاب ما تؤدي إليه أفكارهم، دون أن يحملهم اختياره لنص الذي أدى إليه نظره فقط، فيسد باب الانتخاب والاجتهاد عليهم.
ورحم الله شيخنا الحر، فقد أدى واجبه بأفضل ما يمكن، في تبليغ ما حمل من العلم حسب النسخ المتوفرة لديه والتي احتاط في التوصل إليها بأحوط ما لديه من طرق وقد ذكر جميع ذلك في الفائدة الرابعة من الخاتمة بالإجمال.
ثم إن المؤلف الحر رحمه الله قد عقد الفائدة الرابعة من خاتمة الكتاب، لذكر مصادر الكتاب التي قسمها إلى مصادر نقل عنها بلا واسطة وهي 82 كتابا والى مصادر نقل عنها بواسطة وهي (96) كتابا وذكر في مقدمة هذه الفائدة ما يدل على عنايته الفائقة بانتخاب النسخ الجيدة، حسب الإمكانات المتوفرة له، بالطبع.
وهذا، وحده، كاف للحكم ببراءة ذمته عما ورد في الكتاب من التصحيف المستند إلى تلك النسخ.
ولكن الإخفاق الذي لحق بالحديث لفترة مديدة في مدارسه حيث لم تجد لها بين المسلمين ذلك الاندفاع الذي كان في عصر الازدهار بقيام الدروس لسماع الحديث وقراءته، أثر في إهمال هذا العلم من حيث الرعاية والمحافظة على النسخ وفقدان النسخ الأصلية للمؤلفات القديمة، والتي تعتبر أصول الحديث، من جهة أخرى والتي