فإن المؤلف إذا رسم لنفسه منهجا معينا، فعليه أن يلتزم به إلى آخر الكتاب، ولو خالف ذلك لاستحق الاعتراض.
وثانيا: إن ديدن المحدثين - كما هو المشهور بينهم، وعليه عمل الكبار منهم - هو إثبات ما في النسخ التي ينقلون عنها، من دون تصرف، بل يعتبرون الذي يتصرف في النسخ على أساس من ظنه، غير أمين في عمله وفنه.
نعم منهم من يشترط تعريف الناقل بمواقع السهو المعلوم، كما هو مشروح في كتب الدراية والمصطلح.
أما من التزم بإيراد ما في النسخ كما هي، من دون تصرف فلا اعتراض عليه خاصة، إذا كان من أهل الورع والاحتياط في الدين، فإن الواجب الشرعي يفرض عليه النقل كما بلغه من دون تغيير أو تصحيح، وإلا لكان ناسبا إلى الراوي له، ما لم يقله.
والمؤلف وأمثاله من أعلامنا منزهون عن التعدي على النصوص، ولو على أساس من اجتهادهم أو ظنونهم فلا يحق للجاهل بعرفهم أن يعترض عليهم، ولا أن ينسب إليهم ما يجده في المؤلفات الحاوية على النصوص المنقولة من اختلافات.
نعم، لو كانوا بصدد الشرح أو التصحيح، فإنهم يتعرضون لكل ما ورد من اختلافات، لاختيار الصواب، وهذا شأن كتب الشروح لا كتب النصوص.
وثالثا: إن المؤلف قام بعملية جمع هذا الكتاب وتأليفه في مدة ثمانية عشر سنة (1) متنقلا بين جبل عامل ومدينة مشهد المقدسة، وأتم تأليفه سنة (1088)، وأعاد النظر فيه ثلاث مرات على الأقل.
فقدم به إلى العلماء خدمة عظيمة، وهو من الموسوعات القلائل التي تتوجت بالإتمام، بالرغم من سعة العمل وكبره، وصعوبة المهمة وخطورتها وقد وفى بكل ما وعد به، من أغراض تأليفه، وأودع فيه كل ما تمناه وأراده، ولو بعد طول المدة، وتحمل كل شدة، حتى قام بكتابته ثلاث مرات. ليتم ما أراد على أحسن وجه.