وقدر للشهيد أن يكون لنفسه في الشام مكانة اجتماعية، وفكرية كبيرة، ويفرض نفسه على مجتمع (دمشق) بشكل خاص، ومجتمع سوريا بشكل عام، وأن ينفذ إلى جهاز الحكم كما سنجد ويستغله لغاياته الإصلاحية.
كان الشهيد في دمشق على اتصال دائم بالحكام والأمراء والشخصيات السياسية البارزة في وقته. ونعرف ذلك من إقناع (الشهيد) الحكومة لمحاربة (اليالوش) المتنبي الذي سنبحث عنه فيما يأتي من هذه الرسالة وكان بيته ندوة عامرة لأصحاب الفضل والعلم، وطلاب المعرفة، وعلماء دمشق والأقطار المجاورة الذين كانوا يزورون دمشق بين حين وحين أو يمرون عليها، فكان لا يخلو بيته على الدوام من الزوار من أصحاب الفضل، وأصحاب الحاجة الذين كانوا يقصدون (الشهيد) للتوسط لتيسير حاجاتهم لدى المراجع الحكومية.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين (الشيعة والسنة) فقد كان (الشهيد) يحتل مكانة عملية مرموقة بين (علماء السنة) فكانوا يحضرون مجلسه في بيته للاستفادة. وللمناقشة، ولحل مشكلات الفقه والكلام في كثير من الأحيان.
ومن حرص (الشهيد على توحيد الكلمة كان يتجنب في مجلسه الخوض في مسائل الخلاف بين (الشيعة والسنة) وإثارة الخلافات الكلامية فيما بينهم على صعيد الجدل، فكان يخفي ما كان بيده من كتابة حين كان يزوره أعلام السنة في مجلسه، حتى أنه عد من كراماته أنه حينما ابتدأ بكتابه (اللمعة الدمشقية) لم يمر عليه زائر من علماء السنة ووجهاء دمشق إلى أن تمت كتابة هذه الرسالة في سبعة أيام.
وهذه الرواية تدل على حرص (الشهيد) أولا على عدم إثارة المسائل الخلافية، والمحافظة على وحدة الكلمة بين المسلمين في ظروف اجتماعية مضطربة التي لمحنا منها بعض الملامح فيما تقدم من هذا الحديث.
وتدل ثانيا على أن بيت (الشهيد) كان آهلا بمختلف الطبقات من علماء،