وفوق ذلك كانت الخلافات الطائفية بين (الشيعة والسنة) قائمة على قدم وساق، فقد ظهر (الدولة الفاطمية) كرد فعل لسلوك (الدولة العباسية) المجافي مع (الشيعة) وقد تمكنت (الشيعة) فترة (الحكم الفاطمي) من الاستيلاء على (مصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن) ونشر (المذهب الشيعي) في هذه الأقطار على أوسع مجال. فجاءت (الدولة الأيوبية) وأذيالها بعد ذلك لتعارض هذا (الاتجاه الشيعي) بشكل قاس عنيف.
وللقارئ أن يقدر بعد ما كان يظهر في مثل هذه الأجواء من ردود أفعال، ومن اصطدام بين (السنة والشيعة) ومن ظهور خلافات طائفية في تافه المسائل ورخيصها.
وهذه صورة مجملة عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية (أيام المماليك الجراكسة) عامة و (برقوق) خاصة.
والآن وبعد ما استوفينا دراسة الحياة الاجتماعية في عهد برقوق نستطيع أن نعطي صورة عن (حياة الشهيد) السياسية، وجهاده وإنجازاته، ونقدر ظروفه وعمله.
قضى (الشهيد) الشطر الأخير من عمره في دمشق أيام حكومة برقوق من (ملوك الجراكسة) على مصر والشام وقد تقدم الحديث عن حكومة (برقوق) خاصة، والجراكسة عامة.
وكانت حكومة دمشق يومئذ بيد (بيدمر) مندوب برقوق، ويبدو من كتب التاريخ أن حكومة (الشام) لم تكن مرتبطة بحكومة (مصر) إلا إسميا، فقد كان حاكم دمشق يستقل في الحكم والإدارة من غير أن يراجع المركز في شئ من شؤون الإدارة والحكم.
ومهما يكن من شئ فقد قضى (الشهيد) جزءا كبيرا من عمره في دمشق إحدى (حواضر العالم الإسلامي) في وقته.