تامة بآرائها وأفكارها، كما كان على صلة وثيقة، ومعرفة تامة بمشيخة الرواية والفقه والكلام عن أعلام السنة، مما يدل على أنه في أسفاره كان يخالط كثيرا من (أقطاب المذاهب الإسلامية) الأخرى، ولم يكن ممن ينطوي فكريا على نفسه.
ويدل على ذلك قوله في إجازته لابن الخازن:
وأما مصنفات العامة ومروياتهم فإني أروي عن نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة، ودار السلام بغداد، ومصر ودمشق وبيت المقدس، ومقام إبراهيم الخليل.
فرويت صحيح البخاري عن جماعة كثيرة بسندهم إلى البخاري.
وكذا صحيح مسلم، ومسند أبي داود، وجامع الترمذي، ومسند أحمد، وموطأ مالك، ومسند الدارقطني، ومسند ابن ماجة، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ابن عبد الله النيسابوري، إلى غير ذلك.
وهذا النص يعيننا كثيرا على معرفة شخصية الشهيد العلمية.
فقد يظهر أنه سافر إلى كثير من (مراكز الفكر الإسلامي السني) كبغداد ومصر والقدس والحرمين، وغيرها، ولم يمنعه اختلافه الفكري مع المدرسة السنية أن يحشر نفسه فيهم، ويتلقى منهم، ويلقي إليهم ويتفاعل معهم.
ولم تكن رحلاته المتكررة والطويلة إلى هذه الأقطار لغرض السياحة أو التجارة، أو الترويح عن النفس، وإنما كان لغرض فكري خالص فكان كثير التردد على مجالس السنة وحلقاتهم، وكثير المطالعة لكتبهم ووثيق الاتصال بشيوخهم.
ويشعرنا النص ثانيا أنه تلقى من (مشايخ السنة) أمهات الكتب الحديثية والفقهية التي يتعاطاها أئمة السنة: من الصحاح، والمسانيد والسنن، وغيرها.
وهذا يدل على أن (الشهيد الأول رحمه الله) كان يملك عقلية ناضجة