وقد كان لبيئة جبل عامل وجزين بنحو خاص أثر في تكوين شخصية الشهيد الأول: فقد كان (جبل عامل) منذ ولادة فقيهنا المترجم له إلى الوقت الحاضر مركزا من مراكز الإشعاع في مجال الفكر الإسلامي ولا سيما في الدراسات الفقهية والأدبية.
ورغم أن المنطقة صغيرة في حد ذاتها، فقد قدمت للعالم الإسلامي على مدى تاريخها المشرق رجالا من ذوي الكفاءة والثقافة الراقية في مجالات الفكر الإسلامي.
ويكفي أن يتصفح الإنسان كتاب (أمل الآمل) وما ألحق به من مستدركات وتكملات، ليلمس أهمية هذا القطر من الناحية الفكرية والفقهية بصورة خاصة.
ومجتمع عاملة بشكل عام مجتمع فكري، يطبع حياتها طابع الحياة الجامعية فهناك في عاملة تكثر الندوات العلمية، والحلقات الدراسية ومجالس البحث والمناقشة. وحتى في المجالس العامة يطغى حديث العلم والأدب على أي لون آخر من ألوان الحديث، وتكثر المساجد بينهم وتعاطي الشعر المرتجل الذي يخلو من أي تكلف وصنعة.
وقد تكون الصورة التقريبية التي يعطيها الشيخ (الحر العاملي) في كتابه (أمل الآمل) لموقعية هذا القطر من الناحية الثقافية أقرب من غيرها في إعطاء فكرة مجملة عن هذا القطر.
يقول (الشيخ الحر العاملي رحمه الله): " إن علماء الشيعة في جبل عامل يبلغون نحو الخمس من علماء الشيعة في جميع الأقطار مع أن بلادهم أقل من عشر عشر بلاد الشيعة.
في مثل هذه البيئة نشأ الشهيد الأول. وفتح عينيه على الحياة فخالط العلماء. وارتاد المجالس والندوات العلمية التي كانت تعقد في أطراف هذا