القطر: واشترك في حلقات الدراسة التي كانت تعقد في المساجد والمدارس والبيوت، وتعاطى فيها طرفا من العلم، وساهم فيما كان يدور بين الأساتذة والطلاب، أو بين الطلاب أنفسهم: من خلاف وشجار يحتد حينا، ويلين آخر وكون لنفسه بمرور الزمن آراء خاصة في مسائل الفقه والآداب، وأعانته على ذلك ثقافته الشخصية، ومؤهلاته الفكرية، وقريحته الوقادة.
ولا نعلم شيئا صحيحا عن بداية أمر هذا القطر، وظهور الحركة الفكرية الشيعية فيها، إلا أنا نعلم أن الصحابي الجليل (أبا ذر) رضي الله عنه لما نفي إلى (الشام) في عهد (عثمان بن عفان) نزل هذا القطر، واتخذ لنفسه فيه مقامين في قريتي (الصرفند) على ساحل البحر الأبيض (ومخاليس الجبل) في الجهة الجنوبية الشرقية من جبل عامل على رابية تطل على الأردن ولا يزال هناك مسجدان في هاتين القريتين تعرفان باسمه.
وفي غالب الظن أن التشيع انبثق من هذين المقامين، ومن أيام نزول (أبي ذر) بجبل عامل بالذات (1).
فأصبح وهو لم يتجاوز بعد المراحل الأولى من دراسته يشار إليه بالفضل والعلم، وينبأ له بمستقبل رفيع في مجالات الثقافة والفكر.
وفي البيت كان يجد من والده الشيخ (مكي جمال الدين) دافعا قويا لممارسة الدراسة، وباعثا على التفكير والدرس، كما كان يجد من المجالس التي كانت تعقد في بيتهم بين حين وآخر، ويحضرها نفر من العلماء المرموقين في المنطقة مجالا خصبا للتفكير والمناقشة وإبداء الرأي.
كذلك نشأ شيخنا الفقيه المترجم له في بيئة (عاملة) يجلس إلى حلقاتها، ويرتاد مجالسها، ويشترك فيما يجري فيها من نقاش وجدال ويستمع إلى العلماء