النهي، كما أصر عليه شيخ الشريعة الإصفهاني (قدس سره) (1) ولا أنه من قبيل رفع الحكم برفع الموضوع، كما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) (2) ولا أن المنفي هو الضرر غير المتدارك، كما ذهب إليه بعض والأمر هاهنا أوضح من تلك القاعدة، لأنه في هذه القاعدة صريح القرآن العظيم عدم جعل الأحكام الحرجية في قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (3) بخلاف قاعدة لا ضرر، فإن ظاهر الحديث الشريف هو نفي الضرر لا الحكم الضرري، إلا بقرائن ذكرنا هناك.
وقد ظهر مما ذكرنا أن الأدلة نفي الحرج والضرر حكومة واقعية في جانب المحمول - أي الأحكام الأولية المحمولة على موضوعاتها - بالتضييق ولذلك تقدم أدلة نفي العسر والحرج كأدلة الضرر على الأدلة الأولية ولا تلاحظ النسبة بينهما، كما هو شأن الحاكم والمحكوم.
وخلاصة الكلام في المقام: أن المراد من نفي العسر والضيق والحرج في هذا الدين الحنيف مقابل السعة والسهلة والسمحة - أن الله تبارك وتعالى في هذا الدين - الذي هو عبارة عن مجموع الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين أو الموضوعات الخارجية، كبعض الأحكام الوضعية كالطهارة والنجاسة والولاية والحرية والرقية والزوجية وأمثال ذلك - لم يجعل حكما ينشأ من قبله الحرج والضيق والعسر، بل هذا الدين والشريعة سمحة سهلة، والناس أي المتدينين بهذا الدين في سعة من قبل أحكامه، ولذلك قال عليه السلام: (إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالة، وإن الدين أوسع من ذلك) (4).
وبهذا المعنى وردت روايات كثيرة فوق حد الاستفاضة.