استحال حمل كلام الله تعالى عليه وأما ثانيا: فلان الأخفش قال إنه لم يرد الاعراب بالمجاورة في كتاب الله تعالى فكيف يصح حمله عليه مع إنكار مثل هذا الرجل له وأما ثالثا: فلان الاعراب بالمجاورة إنما يسوغ في موضع يزول فيه الاشتباه كما في المثل والبيت أما في مثل هذه الآية فلا وأما رابعا: فلان المجاورة إنما تصح مع عدم حرف العطف كما في المثال والبيت أما مع وجوده فلا وقوله تعالى: (وحور عين) على قراءة من قرأ بالجر ليس من هذا الباب قال أبو علي الفارسي في كتابه الحجة هو عطف على قوله: (أولئك المقربون في جنات النعيم) ويكون قد حذف المضاف وتقديره " أولئك في جنات النعيم " وفي مقارنة حور عين أو في معاشر حور عين وهذا الوجه حسن على أن أكثر القراء قرأ بالرفع ولم يقرأه بالجر غير حمزة والكسائي لا يقال قد قرئ بالنصب وذلك يقتضي العطف على الأيدي لأنا نقول لا نسلم أن النصب يوجب العطف على الأيدي بل كما يجوز العطف عليها يجوز العطف على محل الرؤس والعطف على الموضع مشهور عند أهل اللغة فإن قلت العطف على اللفظ أولى قلت لا نسلم الأولوية سلمنا لكن يعارضها أولويتان إحداهما: القرب وهو معتبر في اللغة فإنهم اتفقوا على أن قولهم ضربت فضلي سعدي أن الأقرب فاعل ولو عطفت ببشرى أيضا لكان عطفا على المفعول للقرب وكذلك جعلوا أقرب الفعلين إلى المعمول عاملا بخلاف الأبعد وذلك معلوم من لغتهم ومع العطف على لفظ الأيدي يفوت هذه الأولوية الثانية أنه من المستقبح في لغة العرب الانتقال من حكم قبل تمامه إلى حكم آخر غير مشارك له ولا مناسب على أنا نقول العطف ها هنا على لفظ الأيدي ممتنع لأنه معه يبطل قراءة الجر للتنافي بينهما ومع العطف على الموضع يحصل الجمع ويجب المصير إليه ومن العجائب ترجيح الغسل لقراءة النصب مع عدم دلالتها وإمكان حملها على أمر سائغ على المسح المستفاد من قراءة الجر وحمل الجر على أمر ممتنع. الثاني: ما رواه الجمهور عن أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه وما رووه عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمسح على رجليه وما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه توضأ ومسح على قدميه ونعليه. الثالث: ما رووه عن الصحابة كعلي (عليه السلام) فإنه قال ما نزل القرآن إلا بالمسح وابن عباس إنه قال كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل وذلك من الأخبار الدالة على عمل الصحابة بالمسح وعملهم حجة. الرابع: ما رواه الخاصة روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حكاية وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم مسح ببقية ما في يديه ورأسه ورجليه ولم يعدها في الاناء وروي في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم مسح بفضلة اليد رأسه ورجليه وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس فضيعوه وما رواه عن سالم وغالب ابني هذيل قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المسح على الرجلين فقال: نعم هو الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) وروي في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها على الكعبين وما رواه في الحسن عن أيوب نوح قال كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن المسح على القدمين فقال الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلا ذلك ومن غسل فلا بأس لا يقال هذا تنافي قولكم لان الغسل عندكم غير مجز بل الواجب المسح لأنا نقول إن قوله (عليه السلام) ومن غسل فلا بأس أشار بذلك من غسل للتنظيف لأنه يحتمل ذلك عليه جمعا بين الأدلة ولان قوله (عليه السلام) لا يجب إلا ذلك استثناء لنفي الوجوب فثبت الوجوب وهو يثبت البأس بالغسل فيحتمل على ما قلناه وإلا لزم التناقض وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن المسح على الرجلين فقال لا بأس لا يقال هذا يدل على التخيير لان رفع البأس يفهم منه تجويز المخالفة لأنا نقول نمنع ذلك فإن نفى البأس أعم من ثوبت البأس في نقضه ونفيه ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات الثلاث على أن دلالة المفهوم إنما يكون حجة على تقدير عدم المنافي للمنطوق فإنه أقوى منه والمنافي ما قدمناه من الأحاديث وروي عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت وكيف ذلك؟ قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه. الخامس: أنه عضو من أعضاء الطهارة يسقط في التيمم فيكون فرضه المسح كالرأس واستدل المخالفون بما رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه توضأ فغسل رجليه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وما رواه أبو هريرة وعائشة أنه صلى الله عليه وآله قال: ويل للأعقاب من النار وتوعد على ترك غسل العقب فلو جاز تركه لكان التوعد عليه قبيحا وروى عاصم بن لقيط عن أبيه قال قلت كيف الوضوء يا رسول الله فقال أصبغ الوضوء وخلل بين الأصابع والجواب عن الأول: أنه يحتمل أن يكون (عليه السلام) فعل ذلك بعد مسحهما ولم يرو الراوي المسح للنسيان أو لالتباس الفعل عليه ويتقارب زمانه أو لتوهم أن ذكر الغسل يغنى عنه. وعن الثاني: أنه قد قيل إن أحدا من الاعراب كانوا يبولون وهم قيام فيترشش البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة فتوعد النبي (صلى الله عليه وآله) لأجل ذلك. وعن الثالث: أن إسباغ الوضوء لا يستلزم جواز الغسل فإنا نحن نقول به في تكريره وإكثار الماء فيه واستقصاء الغسل والامر بالتخليل بين الأصابع لا يدل على أنها أصابع الأرجل. مسألة: لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل الواجب من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة وهو مذهب علماء نا أجمع. لنا: أنه تعالى عطف الأرجل على الرؤس بالواو فوجب التشريك عملا بمقتضى العطف وفي المعطوف عليه ثبت الحكم في بعضه فكذا المعطوف خصوصا وقد قرئ بالجر المقتضي لتكرير العامل تقديرا لا يقال فقد قرئ بالنصب
(٦٣)