أصابك منه ثم أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه فلو كان واجبين لوجب ذكرهما عقيب السؤال وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك باطل اتفاقا وأيضا الانف والفم باطنان فلا يجب غسلهما كباطن اللحية وباطن العين ولان الوجه ما يحصل به المواجهة ولا يحصل المواجهة بها ولان غسل الجنابة واجب فلا يجب فيه المضمضة والاستنشاق قياسا على غسل الميت واحتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة. وما رواه أبو هريرة أيضا أنه (عليه السلام) قال: تصل كل شعرة جنابة قبلوا الشعر وألقوا البشرة وباطن الفم بشرة وداخل الانف شعر فيجب سلبه قال أبو حنيفة لأنهما عضوان باطنان من وجه ظاهران من وجه فأعطيناهما حكم الباطن في الوضوء وحكم الظاهر في الجنابة وقال أحمد: إنهما ظاهران لان الصائم لا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا ينشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما ولا يجب الحد بترك الخمر فيهما فيجب غسلهما والجواب عن الحديث الأول أنه قد ضعفه العلماء قالوا إن راويه بركة الحلبي وهو غير معروف وأيضا فإنه على خلاف مطلوبهم فإنه أوجب الثلاث وهم لا يقولون به وأيضا فإنه حكاية قول أبي هريرة فلعله توهم ما ليس بفرض فرضا فلا يبقى حجة مع وجود المنافي وأيضا فالفرض في اللغة التقدير فيحمل عليه ويدخل فيه الواجب والندب وعن الحديث الثاني أن رواية الحرث بن وحبة وقد ضعفه البخاري قال يحيى بن معين حديث الحرث بن وحبة ليس بشئ وأيضا يحتمل أنه أراد بالشعر ما ظهر وكذا في البشرة على أنه قد قيل إن البشرة اسم لظاهر البدن دون باطنه وعن كلام أبي حنيفة بالمنع من كونهما ظاهرين ثم بالمطالبة بوجه التخصيص وينتقض ما ذكر أحمد جميعه بالعين وبالمنع من التعليل في الاحكام التي ذكرها ظاهرين بكونهما باطنين. فروع [الأول] المضمضة إدارة الماء في الفم والاستنشاق اجتذابه في الانف ويستحب إدارة الماء في جميع الفم للمبالغة وكذا في الانف. [الثاني] لو أدار الماء في فمه ثم ابتلعه فقد امتثل لان المقصود به قد حصل وهو قول الحنابلة القائلين بالوجوب وقول بعض الحنفية وقال بعضهم لا يجزيه نقله شارح الحاوي وليس بشئ. [الثالث] يستحب فيهما الدعاء لما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تمضمض وقال " اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك " ثم استنشق فقال: " اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ". ورواه أيضا ابن بابويه عنه (عليه السلام). [الرابع] يستحب أن يتمضمض ويستنشق بيناه وقال بعض الجمهور والتمضمض باليمين والاستنشاق باليسار. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب التيمن في طهوره وشأنه كله. [الخامس] يستحب الترتيب فيهما وتقديمهما على الوضوء متابعة لفعل أمير المؤمنين (ع) والمبالغة فيهما أما في المضمضة فبأن يدخل الماء في الفم ويديره على جميع جوانب فمه ويوصله إلى طرف حلقه ويمره على أسنانه ولسانه ثم تمحوه وفي الاستنشاق يدخل الماء في الانف ويأخذه النفس حتى يصل إلى خياشيمه ثم يدخل إصبعه فيه فيزيل ما في الانف من الدرن ثم يستنشر مثل ما يفعله المتمخط إلى الصائم فإنه لا ينبغي له المبالغة لقوله (ع) بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ولأنه ربما وصل إلى الجوف والدماغ. [السادس] المستحب فيهما أن يمضمض ثلاثا كملا ثم يستنشق ثلاثا إما بكف واحدة أو بأكثر وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي المستحب أن يأخذ كفا من الماء فتمضمض ببعضها ويستنشق بالبعض ثم يفعل ثانيا وثالثا كذلك. لنا: ما رواه الجمهور عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه تمضمض ثم استنشق وثم للترتيب ولأنه أذكى في التطهير فأشبه بأعضاء الطهارة حيث ينتقل إلى الثاني بعد إكمال الأول احتج الشافعي بما رواه عبد الله بن زيد أن النبي (صلى الله عليه وآله) تمضمض واستنشق بكف واحد والجواب أنه محمول على أنه استعمل فيهما كفا واحدا. مسألة: يستحب الدعاء عند غسل الأعضاء لما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في صفة وضوء أمير المؤمنين (ع) ثم غسل وجهه فقال: " اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه " ثم غسل يده اليمنى فقال: " اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا " ثم غسل يده اليسرى فقال: " اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران " ثم مسح رأسه فقال: " الهم غشني برحمتك وبركاتك " ثم مسح رجله فقال: " اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ". ورواه ابن بابويه أيضا وروي أنه يستحب أن يقول المتوضئ: " اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة ". مسألة: يستحب أن يبدأ الرجل في غسل ذراعيه بظاهرهما والمرأة بباطنهما وهو اتفاق علمائنا لما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: فرض الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي الرجال ظاهر الذراع والمراد بالفرض هنا التقدير لا الوجوب. مسألة:
قال علمائنا: يستحب الوضوء بمد وقال أبو حنيفة: لا يجزي في الوضوء أقل منه. لنا: قوله تعالى: (فاغسلوا) ومع تحقق الامتثال بما يسمى غسلا يحصل الاجزاء وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما الوضوء حد من حدود الله تعالى ليعلم الله تعالى من يطيعه ومن يعصيه وإن المؤمن لا ينجسه شئ إنما يكفيه اليسير ويدل على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغسل بصاع من ماء ويتوضأ بمد من ماء وروي عن سليمان بن حفص المروزي قال قال أبو الحسن (عليه السلام): الغسل بصياع من ماء والوضوء بمد من ماء وصاع النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة أمداد والمد وزن مأتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق وزن