المنهي عن الصلاة فيه معنى وعن حديثهم من (وجهين) أحدهما معارضة بحديثنا ومع التعارض يرجع إلى أصل النجاسة الحاصل بالموت ولان حديثنا متأخر أو لفظه دال على سبق الترخص وآخر الأحاديث أولى من السابق ولأنه قد نقل عن جماعة من أصحابه نجاسة الجلد بعد الدباغ كعائشة وعمر وأبيه ولو كان طاهرا لما خفي عنهم لكثرة وقوع الموت في دوابهم ودعوا لحاجة إلى ما ينتفع منها وأيضا فقوله (ع): إذا دبغ الإهاب فقد طهر ليس عاما فيحمل على المذكى ويكون الدباغ شرطا في جواز الاستعمال كما هو مذهب بعضهم وبهذا خرج الجواب عن الحديث الثاني على أن القصة قد رويت على غير هذه الصفة وقد تقدمت في حديث ابن المغيرة وأيضا فالانتفاع بالجلد لا يستلزم الطهارة وتعليل النجاسة بإيصال الرطوبات باطل وإلا لاختص التنجيس بالباطل وهو باطل إجماعا ومع ذلك فهو غير مسموع من الشافعي وهو يحكم بنجاسة الشعر والصوف والعظم ولا من أبي حنيفة القائل بطهارة جلد الكلب مع نجاسته عنده حيا. فروع: [الأول] في جواز الانتفاع به في اليابسات نظر أقربه عدم الجواز عملا بعموم النهي الدال عليه ورواية ابن المغيرة ومن طريق الجمهور رواية عبد الله بن حكيم ولأحمد روايتان، إحداهما كما قلناه والثانية الجواز لقوله (ع): ألا أخذوها بها قد بعره فانتفعوا به ولان الصحابة لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة ولأنه انتفاع من غير ضرر وكان كالاصطياد بالكلب والأقرب ما ذكرناه أولا لعموم النص وحديثهم قد بينا ضعفه والقياس لا يعارض النص. [الثاني] قال أبو إسحاق من الشافعية الدباغ لا يطهر بل لا بد من الغسل بالماء لان ما لاقاه نجس به وقال ابن العاص منهم انه طاهر وهذا الفرع ساقط عنا لأنه عندنا نجس وإنما يتأتى على رأي ابن الجنيد. [الثالث] قال الشافعي: إنما يطهر بالدباغ الجلد خاصة أما الشعر والصوف والوبر والريش فإن فيه روحا يموت مع الحيوان وينجس بالموت وعندنا ان هذه الأشياء لا يحلها الحياة وهي طاهرة من الميت إلا الكلب والخنزير. * مسألة: اتفق علماؤنا على أن الكلب والخنزير لا يقع عليهما الذكوة وجلدهما لا يطهر بالدباغ وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وداود يطهر جلد الكلب الدباغ. لنا: ان الدباغ كالحياة والحياة لا توقع النجاسة عن الكلب والخنزير وكذا الدباغ احتجوا بقوله (ع) أيما إهاب دبغ فقد طهر والجواب: ان الدبغ إنما يؤثر في دفع نجاسة حادثة بالموت ما عداه على قضية العموم على أن هذا الحديث ورد في شاة ميمونة فلا يتعداها على رأي قوم واما الانسان فكذلك لا يقع على الذكوة فلا يطهر جلده بالدباغ وقال بعضهم لا يتأتى فيه الدباغ وأما الحيوان الطاهر حال الحياة ما لا يؤكل لحمه كالسباع فإنه يقع عليه الذكاة ويطهر الجلد بها وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال الشيخ والسيد المرتضى لا يطهر إلا بالدباغ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يجوز الانتفاع بجلود السباع قبل الدباغ ولا بعده وبه قال الأوزاعي ويزيد بن هارون وابن المبارك وإسحاق وأبو ثور ومنع علي (ع) من الصلاة في جلود الثعالب وكرهه سعيد بن جبير والحكم ومكحول وإسحاق وكره الانتفاع بجلود الشاة عطا وطاوس ومجاهد وعبيدة السلماني ورخص في جلود السباع جابر وأباح الحسن البصري والشعبي وأصحاب الرأي الصلاة في جلود الثعالب لأنها تعدى في الاحرام فكانت مباحة والملازمة ممنوعة وقال أحمد والشافعي إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه كان جلده نجسا ووافقنا مالك وأبو حنيفة على طهارته. لنا: قوله تعالى:
(إلا ما ذكيتم) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: دباغ الأديم ذكوته وفي حديث آخر: ذكاة الأديم دباغه أقام كل واحد منهما مقام الآخر ولما كان الدباغ مطهرا فكذا الذكاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود فقال: لا بأس بذلك وما رواه في الموثق عن ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة في كل شئ نهي عن أكله وحرم عليك أكله فاسدة ذكوة الذبح أو لم يذكه وهذا دال على كون الذبح مطهرا والحديث الأول أعم لجواز لبس الجلود فلو اشترط الدباغ لوجب التقييد احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن افراش جلود السباع وركوب السمور وذلك عام في المذكى وغيره والجواب: المنع من العموم أيضا فلعل الراوي توهم ما ليس بنهي نهيا وأيضا فهو معارض بما قدمناه وأيضا فالذكاة يقع عليه وإلا لكان ميتة والميتة لا تطهر بالدباغ ويكره استعماله قبل الدباغ عملا بالاحتياط. فروع: [الأول] قد بينا أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ سواء كان مأكولا أو لم يكن وأكثر الجمهور على طهارة ما يؤكل لحمه بعد الدباغ واختلفوا في جواز أكل حينئذ فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريمه وقال بعض أصحاب الشافعي يحل أكله واختاره في الجديد ولو كان غير مأكول قال أكثر أهل العلم أنه لا يؤكل لأنه الدباغ كالذكاة وهي لا تحله وعن بعض الشافعية جوازه والحق أنه لا يحل لأنه عندنا لا يطهر وأما عند القائلين بالطهارة فلقوله تعالى:
(حرمت عليكم الميتة) والجلد منها وقال النبي صلى الله عليه وآله إنما حرم من الميتة أكلها ولأنه جزء من ميتة فلا يحل كغيره منها ولقوله (ع): دباغ الأديم ذكاته والجواب: لا يلزم من الطهارة إباحة الأكل كالخبائث غير المحرمة وقالوا الدباغ معنى يفيد الطهارة في الجلد فيبيح الأكل كالذبح قلنا: هذا قياس لا يعارض النص. [الثاني] يجوز استعمال الطاهر في الدباغ كالشب والفرط والعفص وقشور الرمان وغيرها والقائلون وبتوقيف الطهارة على الدباغ من أصحابنا والجمهور اتفقوا على حصول الطهارة بهذه الأشياء أما الأشياء النجسة فلا يجوز استعمالها في الدباغ وهل يطهر أم لا وأما عندنا فإن الطهارة حصلت بالتذكية فكان ملاقاة النجس موجبة لتنجيس المحل ويطهر بالغسل وأما القائلون بتوقيف الطهارة على الدباغ فقد ذهب بعضهم إلى عدم الطهارة ذكره ابن الجنيد وبعض الجمهور لأنها طهارة من نجاسة فلا يحصل بالنجس كالاستجمار والغسل وينبغي أن يكون ما يدبغ به منشفا للرطوبة مزيلا للخبث وقد روي عن الرضا (ع) عدم جواز الصلاة في الجلود المدبوغة بخرء الكلاب والرواية ضعيفة ومع تسليمها تحمل على المنع من الصلاة قبل الغسل. [الثالث] لا يفتقر بعد الدبغ إلى الغسل وهو قول بعض الجمهور خلافا لبعضهم ولا يحضرني الآن قول لعلمائنا في ذلك. لنا: قوله (ع) ذكاة الأديم دباغة وقوله: أيما إهاب دبغ فقد طهر احتجوا بأن ما يدفع به ينجس بملاقاة الجلد ومع الدباغ تبقى الآلة نجسة فتبقى نجاسة الجلد بملاقاتها له فافتقر إلى الغسل والجواب: المنع من نجاسة الجلد. [الرابع] لا يفتقر الدبغ إلى فعل فلو وقع المدبوغ في مدبغة فأدبغ طهر كالآنية الواقعة تحت المطر. [الخامس] القائلون بجواز الانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ اختلفوا في جواز بيعها واتفقوا على المنع قبل الدبغ لأنه نجس واختلفوا فيما بعده قال الشافعي في القديم: لا يجوز وبه قال مالك لثبوت التحريم بالموت ورخص في الانتفاع به فيبقى ما عداه على المنع فقال في الحديد بالجواز وهو مذهب أبي حنيفة لأنه منع من البيع لنجاسته وقد زالت بالدباغ فهذا؟ الشرع؟ ساقط عنا إذ النجاسة ثابتة في الحالين إلا عند ابن الجنيد منا. [السادس] إن قلنا بجواز البيع جاز انتفاع به في كل ما يمكن الانتفاع به من الإجارة والعارية وغيرهما.