ولا بنفس النكاح ما لم يوجد الدخول وما لم يكن الزوجان جميعا وقت الدخول على صفة الاحصان حتى أن الزوج العاقل البالغ الحر المسلم إذا دخل بزوجته وهي صبية أو مجنونة أو أمة أو كتابية ثم أدركت الصبية وأفاقت المجنونة وأعتقت الأمة وأسلمت الكافرة لا يصير محصنا ما لم يوجد دخول آخر بعد زوال هذه العوارض حتى لو زنى قبل دخول آخر لا يرجم فإذا وجدت هذه الصفات صار الشخص محصنا لان الاحصان في اللغة عبارة عن الدخول في الحصن يقال أحصن أي دخل الحصن كما يقال أعرق أي دخل العراق وأشأم أي دخل الشأم وأحصن أي دخل في الحصن ومعناه دخل حصنا عن الزنا إذا دخل فيه وإنما يصير الانسان داخلا في الحصن عن الزنا عند توفر الموانع وكل واحد من هذه الجملة مانع عن الزنا فعند اجتماعها تتوفر الموانع أما العقل فلان للزنا عاقبة ذميمة والعقل يمنع عن ارتكاب ماله عاقبة ذميمة وأما البلوغ فان الصبي لنقصان عقله ولقلة تأمله لاشتغاله باللهو واللعب لا يقف على عواقب الأمور فلا يعرف الحميدة منها والذميمة وأما الحرية فلان الحر يستنكف عن الزنا وكذا الحرة ولهذا لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المبايعة على النساء وبلغ إلى قول الله تعالى ولا يزنين قالت هند امرأة أبي سفيان أو تزني الحرة يا رسول الله وأما الاسلام فلانه نعمة كاملة موجبة للشكر فيمنع من الزنا الذي هو وضع الكفر في موضع الشكر وأما اعتبار اجتماع هذه الصفات في الزوجين جميعا فلان اجتماعها فيهما يشعر بكمال حالهما وذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة من الجانبين لان اقتضاء الشهوة بالصبية والمجنونة قاصر وكذا بالرقيق لكون الرق من نتائج الكفر فينفر عنه الطبع وكذا بالكافرة لان طبع المسلم ينفر عن الاستمتاع بالكافرة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لحذيفة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج يهودية دعها فإنها الا تحصنك وأما الدخول بالنكاح الصحيح فلانه اقتضاء الشهوة بطريق حلال فيقع به الاستغناء عن الحرام والنكاح الفاسد لا يفيد فلا يقع به الاستغناء وأما كون الدخول آخر الشرائط فلان الدخول قبل استيفاء سائر الشرائط لا يقع اقتضاء الشهوة على سبيل الكمال فلا تقع الغنية به عن الحرام على التمام وبعد استيفائها تقع به الغنية على الكمال والتمام فثبت أن هذه الجملة موانع عن الزنا فيحصل بها معنى الاحصان وهو الدخول في الحصن عن الزنا ولا خلاف في هذه الجملة الا في الاسلام فإنه روى عن أبي يوسف أنه ليس من شرائط الاحصان حتى لا يصير المسلم محصنا بنكاح الكتابية والدخول بها في ظاهر الرواية وكذلك الذمي العاقل البالغ الحر الثيب إذا زنا لا يرجم في ظاهر الرواية بل يجلد وعلى ما روى عن أبي يوسف يصير المسلم محصنا بنكاح الكتابية ويرجم الذمي به وبه أخذ الشافعي رحمه الله تعالى واحتجا بما روى أنه عليه الصلاة والسلام رجم يهوديين ولو كان الاسلام شرطا لما رجم ولان اشتراط الاسلام للزجر عن الزنا والدين المطلق يصلح للزجر عن الزنا لان الزنا حرام في الأديان كلها (ولنا) في زنا الذمي قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة أوجب سبحانه وتعالى الجلد على كل زان وزانية أو على مطلق الزاني والزانية من غير فصل بين المؤمن والكافر ومتى وجب الجلد انتفى وجوب الرجم ضرورة ولان زنا الكافر لا يساوى زنا المسلم في كونه جناية فلا يساويه في استدعاء العقوبة كزنا البكر مع زنا الثيب وبيان ذلك ان زنا المسلم اختص بمزيد قبح انتفى ذلك في زنا الكافر وهو كون زنا موضع الكفر ان في موضع الشكر لان دين الاسلام نعمة ودين الكفر ليس بنعمة وفى زنا المسلم بالكتابية قوله عليه الصلاة والسلام لحذيفة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج يهودية دعها فإنها لا تحصنك وقوله عليه الصلاة والسلام من أشرك بالله فليس بمحصن والذمي مشرك على الحقيقة فلم يكن محصنا وما ذكرنا أن في اقتضاء الشهوة بالكافرة قصورا فلا يتكامل معنى النعمة فلا يتكامل الزاجر وقوله الزجر يحصل بأصل الدين قلنا نعم لكنه لا يتكامل الا بدين الاسلام لأنه نعمة فيكون الزنا من المسلم وضع الكفر ان في موضع الشكر ودين الكفر ليس بنعمة فلا يكون في كونه زاجرا مثله وأما حديث رجم اليهوديين فيحتمل انه كان قبل نزول آية الجلد فانتسخ بها ويحتمل انه كان بعد نزولها ونسخ خبر الواحد أهون من نسخ الكتاب العزيز واحصان كل واحد من الزانيين ليس بشرط
(٣٨)