ينتظر حضور الغرماء لأنهم لو كانوا حضورا لكان الحكم هكذا فلا معنى للانتظار وان حضر أصحاب الدين أولا فإن كان القاضي عالما بالجناية لا يبيعه في ديونهم لان في البيع ابطال حق أصحاب الجناية وان لم يكن عالما فباعه بطل حق أصحاب الجناية حتى لو حضروا بعد ذلك لا ضمان على القاضي ولا على المولى اما القاضي فلانه لا عهدة تلزم القاضي فيما فعله لكونه أمينا واما المولى فلانه باعه بأمر القاضي فكان مضافا إلى القاضي ولو كان باعه بغير اذن القاضي فان باعه مع علمه بالجناية يلزمه الأرش لأنه صار مختارا للفداء وان لم يكن عالما بالجناية يلزمه الأقل من قيمة العبد ومن الأرش لما بينا والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان ما يبطل به الاذن بعد وجوده فنقول إن الاذن بالتجارة يبطل بشدة وهو الحجر فيحتاج إلى بيان ما يصير العبد به محجورا وذلك أنواع بعضها يرجع إلى المولى وبعضها إلى العبد اما الذي يرجع إلى المولى فثلاثة أنواع صريح ودلالة وضرورة والصريح نوعان خاص وعام أما العام فهو الحجر باللسان على سبيل الاشهار والإشاعة بان يحجره في أهل سوقه بالنداء بالحجر وهذا النوع من الحجر يبطل به الاذن الخاص والعام جميعا لان الاذن بالتجارة غير لازم فكان محتملا للبطلان والشئ يبطل بمثله وبما هو فوقه وأما الخاص فهو أن يكون بين العبد وبين المولى ولا يكون على سبيل الاستفاضة والاشتهار وهذا النوع لا يبطل به الاذن العام لان الشئ لا يبطل بما هو دونه ولان الحجر إذا لم يشتهر فالناس يعاملونه بناء على الاذن العام ثم يظهر الحجر فيلحقهم ضرر الغرور وهو اتلاف ديونهم في ذمة المفلس ومعنى التعزير لا يتحقق في الاذن العام لان الناس يمتنعون عن معاملته فلا يلحقهم ضرر الغرور ويبطل به الاذن الخاص لان الحجر صحيح في حقهما حسب صحة الاذن فجاز ان يبطل به لان الشئ يحتمل البطلان بمثله ومن شرط صحة هذين النوعين علم العبد بهما فإن لم يعلم لا يصير محجورا لان الحجر منع من تصرف شرعي وحكم المنع في الشرائع لا يلزم الممنوع الا بعد العلم كما في سائر الأحكام الشرعية ولو أخبره بالحجر رجلان أو رجل وامرأتان عدلا كان أو غير عدل صار محجورا بالاجماع وكذلك إذا أخبره واحد عدل رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا أو أخبره واحد غير عدل وصدقه لان خبر الواحد في المعاملات مقبول من غير شرط العدد والعدالة والذكورة والحرية إذا صدقه فيه وأما إذا كذبه فلا يصير محجورا عند أبي حنيفة رحمه الله وان ظهر صدق المخبر وعندهما يصير محجورا صدقه أو كذبه إذا ظهر صدق المخبر ولو كان المخبر رسولا يصير محجورا بالاجماع صدقه أو كذبه ولو اشترى المأذون عبدا فأذن له بالتجارة فحجر المولى على أحدهما فان حجر على الأسفل لم يصح سواء كان على الاعلى دين أو لم يكن لأنه مأذون من جهة الاعلى لا من جهة المولى وان حجر على الاعلى ينظر ان لم يكن عليه دين لا يصير الأسفل محجورا عليه لأنه إذا لم يكن عليه دين فهما عبدان مملوكان للمولى فيصير كأنه أذن لهما ثم حجر على أحدهما ولو كان كذلك ينحجر أحدهما بحجر الآخر كذا هذا وإن كان على الاعلى دين يصير محجورا عند أبي حنيفة وعندهما لا يصير محجورا بناء على أن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده وعندهما يملك (ووجه) البناء انه لما لم يملك عبده وقد استفاد الاذن من جهة الاعلى لا من جهة المولى صار حجر الاعلى كموته ولو مات لصار الثاني محجورا كذا هذا ولما ملك عندهما صار الجواب في هذا وفى الأول سواء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وأما الدلالة فأنواع منها البيع وهو ان يبيعه المولى ولا دين عليه لأنه زال ملكه بالبيع وحدث للمشترى فيه ملك جديد فيزول اذن البائع لزوال ملكه ولم يوجد الاذن من المشترى فيصير محجورا ومنها الاستيلاد بأن كان المأذون جارية فاستولدها المولى استحسانا والقياس ان لا يبطل به الاذن لأنها قادرة على التصرف بعد الاستيلاد (وجه) الاستحسان ان التجارة لا بد لها من الخروج إلى الأسواق وأمهات الأولاد ممنوعات عن الخروج في العادات فكان الاستيلاد حجرا دلالة وأما التدبير فلا يكون حجرا لأنه لا ينفى الاذن إذ الاذن اطلاق والتدبير لا ينافيه ومنها الحوقه بدار الحرب مرتد لان الردة مع اللحوق توجب زوال الملك وذا يمنع بقاء الاذن فكان حجرا دلالة فإن لم يلحق بدار الحرب فعلى قياس قول أبى
(٢٠٦)