والله سبحانه وتعالى الموفق * (فصل) * وأما أحكام هذه الأنواع فهذه الأنواع مختلفة الأحكام (منها) ما يجب فيه القصاص ومنها ما يجب فيه دية كاملة ومنها ما يجب فيه أرش مقدر (ومنها) ما يجب فيه أرش غير مقدر (أما) الذي فيه القصاص فهو الذي استجمع شرائط الوجوب فيقع الكلام في موضعين (أحدهما) في بيان شرائط وجوب القصاص (والثاني) في بيان وقت الحكم بالقصاص (أما) الأول فنقول شرائط وجوب القصاص أنواع (بعضها) يعم النفس وما دونها وبعضها يخص ما دون النفس (أما) الشرائط العامة فما ذكرنا في بيان شرائط وجوب القصاص في النفس من كون الجاني عاقلا بالغا متعمدا مختارا وكون المجني عليه معصوما مطلقا لا يكون جزء الجاني ولا ملكه وكون الجناية حاصلة على طريق المباشرة لما ذكرنا من الدلائل (وأما) الشرائط التي تخص الجناية فيما دون النفس فمنها المماثلة بين المحلين في المنافع والفعلين وبين الأرشين لان المماثلة فيما دون النفس معتبرة بالقدر الممكن فانعدامها يمنع وجوب القصاص والدليل على أن المماثلة فيما دون النفس معتبرة شرعا النص والمعقول (أما) النص فقوله تبارك وتعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين إلى قوله تعالى جل شأنه والجروح قصاص فان قيل ليس في كتاب الله تبارك وتعالى بيان حكم ما دون النفس لا في هذه الآية الشريفة وانه اخبار عن حكم التوراة فيكون شريعة من قبلنا وشريعة من قبلنا لا تلزمنا (فالجواب) ان من القراء المعروفين من ابتدأ الكلام من قوله عز شأنه والعين بالعين بالرفع إلى قوله تبارك وتعالى فمن تصدق به على ابتداء الايجاب لا على الاخبار عما في التوراة فكان هذا شريعتنا لا شريعة من قبلنا على أن هذا إن كان اخبارا عن شريعة التوراة لكن لم يثبت نسخة بكتابنا ولا بسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم فيصير شريعة لنبينا صلى الله عليه وسلم مبتدأة فيلزمنا العمل به على أنه شريعة رسولنا صلى الله عليه وسلم لا على أنه شريعة من قبله من الرسل على ما عرف في أصول الفقه الا انه لم يذكر وجوب القصاص في اليد والرجل نصا لكن الايجاب في العين والانف والاذن والسن ايجاب في اليد والرجل دلالة لأنه لا ينتفع بالمذكور من السمع والبصر والشم والسن الا صاحبه (ويجوز) ان ينتفع باليد والرجل غير صاحبهما فكان الايجاب في العضو المنتفع به في حقه على الخصوص ايجابا فيما هو منتفع به في حقه وفى حق غيره من طريق الأولى فكان ذكر هذه الأعضاء ذكرا لليد والرجل بطريق الدلالة له كما في التأفف مع الضرب في الشتم على أن في كتابنا حكم ما دون النفس قال الله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال الله تعالى عز شأنه وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وأحق ما يعمل فيه بهاتين الآيتين ما دون النفس (وقال) تبارك وتعالى من عمل سيئة فلا يجزى الا مثلها ونحو ذلك من الآيات (وأما) المعقول فهو ان ما دون النفس له حكم الأموال لأنه خلق وقاية للنفس كالأموال ألا ترى انه يستوفى في الحل والحرم كما يستوفى في المال وكذا الوصي يلي استيفاء ما دون النفس الصغير كما يلي استيفاء ماله فتعتبر فيه المماثلة كما تعتبر في اتلاف الأموال (ومنها) أن يكون المثل ممكن الاستيفاء لان استيفاء المثل بدون امكان استيفائه ممتنع فيمتنع وجوب الاستيفاء ضرورة ويبتنى على هذين الأصلين مسائل (فنقول) وبالله تعالى التوفيق لا يؤخذ شئ من الأصل الا بمثله فلا تؤخذ اليد الا باليد لان غير اليد ليس من جنسها فلم يكن مثلا لها إذا التجانس شرط للمماثلة (وكذا) الرجل والإصبع والعين والانف ونحوها لما قلنا (وكذا) الابهام لا تؤخذ الا بالابهام ولا السبابة بالسبابة ولا الوسطى الا بالوسطى ولا البنصر الا بالبنصر ولا الخنصر الا بالخنصر لان منافع الأصابع مختلفة فكانت كالأجناس المختلفة وكذلك لا تؤخذ اليد اليمين الا باليمين ولا اليسرى الا باليسرى لان لليمين فضلا على اليسار ولذلك سميت يمينا وكذلك الرجل وكذلك أصابع اليدين والرجلين لا تؤخذ اليمين منهما الا باليمين ولا اليسرى الا باليسرى وكذلك الأعين لما قلنا وكذلك الأسنان لا تؤخذ الثنية الا بالثنية والا الناب الا بالناب ولا الضرس الا بالضرس لاختلاف منافعها فان بعضها قواطع وبعضها طواحن وبعضها ضواحك واختلاف المنفعة بين الشيئين يلحقهما بجنسين ولا مماثلة عند اختلاف الجنس وكذا لا يؤخذ الاعلى منها بالأسفل ولا الأسفل
(٢٩٧)