ترك المفروض لأجله ويحصل بالذمة والاسترقاق لما بينا فكان إقامة للفرض معنى لا تركا له ولان المفاداة بالمال إعانة لأهل الحرب على الحراب لأنهم يرجعون إلى المنعة فيصيرون حربا علينا وهذا لا يجوز ومحمد رحمه الله يقول معنى الإعانة لا يحصل من الشيخ الكبير الذي لا يرجى منه ولد فجاز فداؤه بالمال ولكنا نقول إن كان لا يحصل بهذا الطريق يحصل بطريق آخر وهو الرأي والمشورة وتكثير السواد وأما قوله تعالى فاما منا بعد واما فداء فقد قال بعض أهل التفسير ان الآية منسوخة بقوله تبارك وتعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تبارك وتعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية لان سورة براءة نزلت بعد سورة محمد عليه الصلاة والسلام ويحتمل أن تكون الآية في أهل الكتاب فيمن عليهم بعد أسرهم على أن يصيروا كرة للمسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باهل خيبر أو ذمة كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه باهل السواد ويسترقون (وأما) أسارى بدر فقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك باجتهاده ولم ينتظر الوحي فعوتب عليه بقوله سبحانه وتعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم فيه عذاب عظيم حتى قال عليه الصلاة والسلام لو أنزل الله من السماء نارا ما نجى الا عمر رضي الله عنه يدل عليه قوله تعال ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض على أحد وجهي التأويل أي ما كان لنبي أن يأخذ الفداء في الأسارى حتى يثخن في الأرض أي حتى يغلب في الأرض منعة عن أخذ الفداء بها وأشار إلى أن ذلك ليغلب في الأرض إذ لو أطلقهم لرجعوا إلى المنعة وصاروا حربا على المسلمين فلا تتحقق الغلبة ويحتمل أن المفاداة كانت جائزة ثم انتسخت بقوله تبارك وتعالى فاضربوا فوق الأعناق وقوله تبارك وتعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وإنما عوتب عليه الصلاة والسلام بقوله تعال لولا كتاب من الله سبق لا لخطر المفاداة بل لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينتظر بلوغ الوحي وعمل باجتهاده أي لولا من حكم الله تعالى أن لا يعذب أحدا على العمل بالاجتهاد لمسكم العذاب بالعمل بالاجتهاد وترككم انتظار الوحي والله تعالى أعلم وكذا لا تجوز مفاداة الكراع والسلاح بالمال لان كل ذلك يرجع إلى اعانتهم على الحرب وتجوز مفاداة أسارى المسلمين بالدراهم والدنانير والثياب ونحوها مما ليس فيها إعانة لهم على الحرب ولا يفادون بالسلاح لأنه فيه إعانة لهم على الحرب والله تعالى أعلم (وأما) مفاداة الأسير بالأسير فلا تجوز عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعند أبي يوسف ومحمد تجوز (وجه) قولهما أن في المفاداة انقاذ المسلم وذلك أولى من اهلاك الكافر ولأبي حنيفة ما ذكرنا أن قتل المشركين فرض بقوله تعالى اقتلوا المشركين وقوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق فلا يجوز تركه الا لما شرع له إقامة الفرض وهو التوسل إلى الاسلام لأنه لا يكون تركا معنى وذا لا يحصل بالمفاداة ويحصل بالذمة والاسترقاق فيمن يحتمل ذلك على ما بينا ولما ذكرنا أن فيها إعانة لأهل الحزب على الحرب لأنهم يرجعون إلى المنعة فيصيرون حربا على المسلمين ثم اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما قال أبو يوسف تجوز المفاداة قبل القسمة ولا تجوز بعدها وقال محمد تجوز في الحالين (وجه) قول محمد أنه لما جازت المفادات قبل القسمة فكذا بعد القسمة لان الملك ان لم يثبت قبل القسمة فالحق ثابت ثم قيام الحق لم يمنع بجواز المفاداة فكذا قيام الملك (وجه) قول أبى يوسف أن المفاداة بعد القسمة ابطال ملك المقسوم له من غير رضاه وهذا لا يجوز في الأصل بخلاف ما قبل القسمة لأنه لا ملك قبل القسمة إنما الثابت حق غير متقرر فجاز أن يكون محتملا للابطال بالمفاداة والله تعالى أعلم ولا يجوز أن يعطى رجل واحد من الأسارى ويؤخذ بدله رجلين من المشركين لان كم من واحد يغلب اثنين وأكثر من ذلك فيؤدى إلى الإعانة على الحرب وهذا لا يجوز وإذا عزم المسلمون على قتل الأسارى فلا ينبغي أن يعذبوهم بالجوع والعطش وغير ذلك من أنواع التعذيب لان ذلك تعذيب من غير فائدة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بنى قريضة لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح ولا تمثلوا بهم لقوله عليه الصلاة والسلام في وصايا الامراء ولا تمثلوا ولا ينبغي للرجل أن يقتل أسير صاحبه لأنه له ضرب اختصاص به حيث أخذه وأسره فلم يكن لغيره أن يتصرف فيه كما لو التقط شيئا والأفضل
(١٢٠)