جميعا والأصل في اعتبار الشبهة في هذا الباب الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام ادرؤا الحدود بالشبهات ولان الحد عقوبة متكاملة فتستدعى جناية متكاملة والوطئ في القبل في غير ملك ولا نكاح لا يتكامل جناية الا عند انتفاء الشبهة كلها إذا عرف الزنا في عرف الشرع فنخرج عليه بعض المسائل فنقول الصبي أو المجنون إذا وطئ امرأة أجنبية لا حد عليه لان فعلهما لا يوصف بالحرمة فلا يكون الوطئ منهما زنا فلا حد على المرأة إذا طاوعته عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم وقال زفر والشافعي رضي الله عنهم عليها الحد ولا خلاف في أن العاقل البالغ إذا زنا بصبية أو مجنونة أنه يجب عليه الحد ولا حد عليها لهما أن المانع من وقوع الفعل زنا خص أحد الجانبين فيختص به المنع كالعاقل البالغ إذا زنا بصبية أو مجنونة أنه يجب عليه الحد وإن كان لا يجب عليها لما قلنا كذا هذا (ولنا) ان وجوب الحد على المرأة في باب الزنا ليس لكونها زانية لان فعل الزنا لا يتحقق منها وهو الوطئ لأنها موطوءة وليست بواطئة وتسميتها في الكتاب العزيز زانية مجاز لا حقيقة وإنما وجب عليها لكونها مزنيا بها وفعل الصبي والمجنون ليس بزنا فلا تكون هي مزنيا بها فلا يجب عليها الحد وفعل الزنا يتحقق من العاقل البالغ فكانت الصبية أو المجنونة مزنيا بها الا أن الحد لم يجب عليها العدم الأهلية والأهلية ثابتة في جانب الرجل فيجب وكذلك الوطئ في الدبر في الأنثى أو الذكر لا يوجب الحد عند أبي حنيفة وإن كان حراما لعدم الوطئ في القبل فلم يكن زنا وعندهما والشافعي يوجب الحد وهو الرجم إن كان محصنا والجلد إن كان غير محصن لا لأنه زنا بل لأنه في معنى الزنا لمشاركة الزنا في المعنى المستدعى لوجوب الحد وهو الوطئ الحرام على وجه التمحض فكان في معنى الزنا فورود النص بايجاب الحد هناك يكون ورودا ههنا دلالة ولأبي حنيفة ما ذكرنا ان اللواطة ليست بزنا لما ذكرنا ان الزنا اسم للوطئ في قبل المرأة ألا ترى انه يستقيم ان يقال لاط وما زنا وزنا وما لاط ويقال فلان لوطي وفلان زاني فكذا يختلفان اسما واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل ولهذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم في حد هذا الفعل ولو كان هذا زنا لم يكن لاختلافهم معنى لان موجب الزنا كان معلوما لهم بالنص فثبت انه ليس بزنا ولا في معنى الزنا أيضا لما في الزنا من اشتباه الأنساب وتضييع الولد ولم يوجد ذلك في هذا الفعل إنما فيه تضييع الماء المهين الذي يباح مثله بالعزل وكذا ليس في معناه فيما شرع له الحد وهو الزجر لان الحاجة إلى شرع الزاجر فيما يغلب وجوده ولا يغلب وجود هذا الفعل لان وجوده يتعلق باختيار شخصين ولا اختيار الا لداع يدعو إليه ولا داعى في جانب المحل أصلا وفى الزنا وجد الداعي من الجانبين جميعا وهو الشهوة المركبة فيهما جميعا فلم يكن في معنى الزنا فورود النص هناك ليس ورودا ههنا وكذا اختلاف اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم دليل على أن الواجب بهذا الفعل هو التعزير لوجهين أحدهما ان التعزير هو الذي يحتمل الاختلاف في القدر والصفة لا الحد والثاني انه لا مجال للاجتهاد في الحد بل لا يعرف الا بالتوقيف وللاجتهاد مجال في التعزير وكذا وطئ المرأة الميتة لا يوجب الحد ويوجب التعزير لعدم وطئ المرأة الحية وكذا وطئ البهيمة وإن كان حراما لانعدام الوطئ في قبل المرأة فلم يكن زنا ثم إن كانت البهيمة ملك الواطئ قيل إنها تذبح ولا تؤكل ولا رواية فيه عن أصحابنا رحمهم الله لكن روى محمد عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه لم يحد واطئ البهيمة وأمر بالبهيمة حتى أحرقت بالنار وكذلك الوطئ عن اكراه لا يوجب الحد وكذلك الوطئ في دار الحرب وفى دار البغي لا يوجب الحد حتى أن من زنا في دار الحرب أو دار البغي ثم خرج الينا لا يقام عليه الحد لان الزنا لم ينعقد سببا لوجوب الحد حين وجوده لعدم الولاية فلا يستوفى بعد ذلك وكذلك الحربي المستأمن إذا زنا بمسلمة أو ذمية أو ذمي زنا بحربية مستأمنة لا حد على الحربي والحربية عندهما وعند أبي يوسف يحدان وجه قوله إنه لما دخل دار الاسلام فقد التزم أحكام الاسلام مدة اقامته فيها فصار كالذمي ولهذا يقام عليه حد القذف كما يقام على الذمي ولهما انه لم يدخل دار الاسلام على سبيل الإقامة والتوطن بل على سبيل العارية ليعاملنا ونعامله ثم يعود فلم يكن دخوله دار الاسلام دلالة التزامه حق الله سبحانه وتعالى خالصا بخلاف حد القذف لأنه لما طلب الأمان من المسلمين فقد
(٣٤)