الشافعي رحمه الله ليس للامام ان يترك الأراضي في أيديهم بالخراج بل يقسمها (وجه) قوله إن الأراضي صارت ملكا للغزاة بالاستيلاء فكان الترك في أيديهم ابطالا لملك الغزاة فلا يملكه الامام كالمتاع (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فان سيدنا عمر رضي الله عنه لما فتح سواد العراق ترك الأراضي في أيديهم وضرب على رؤسهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج بمحضر من الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل انه أنكر عليه منكر فكان ذلك اجماعا منهم واما الرقاب فالامام فيها بين خيارات ثلاث ان شاء قتل الأسارى منهم وهم الرجال المقاتلة وسبى النساء والذراري لقوله تبارك وتعالى فاضربوا فوق الأعناق وهذا بعد الاخذ والأسر لان الضرب فوق الأعناق هو الإبانة من المفصل ولا يقدر على ذلك حال القتال ويقدر عليه بعد الاخذ والأسر وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استشار الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم في أسارى بدر فأشار بعضهم إلى الفداء وأشار سيدنا عمر رضي الله عنه إلى القتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاءت من السماء نار ما نجى الا عمر أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن الصواب كان هو القتل وكذا روى أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر وبقتل هلال بن خطل ومقيس بن صبابة يوم فتح مكة ولان المصلحة قد تكون في القتل لما فيه من استئصالهم فكان للامام ذلك وان شاء استرق الكل فخمسهم وقسمهم لان الكل غنيمة حقيقة لحصولها في أيديهم عنوة وقهرا بايجاف الخيل والركاب فكان له ان يقسم الكل الا رجال مشركي العرب والمرتدين فإنهم لا يسترقون عندنا بل يقتلون أو يسلمون وعند الشافعي رحمه الله يجوز استرقاقهم (وجه) قوله إنه يجوز استرقاق مشركي العجم وأهل الكتاب من العجم العرب فكذا استرقاق مشركي العرب والمرتدين وهذا لان للاسترقاق حكم الكفر وهم في الكفر سواء فكانوا في احتمال الاسترقاق سواء (ولنا) قوله سبحانه وتعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلى قوله سبحانه وتعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وأتو الزكاة فخلوا سبيلهم ولان القتل بالاسترقاق في حق أهل الكتاب ومشركي العجم للتوسل إلى الاسلام ومعنى الوسيلة لا يتحقق في حق مشركي العرب والمرتدين على نحو ما بينا من قبل واما النساء والذراري منهم فيسترقون كما يسترق نساء مشركي العجم وذراريهم لان النبي عليه الصلاة والسلام استرق نساء هوازن وذراريهم وهم من صميم العرب وكذا الصحابة استرقوا نساء المرتدين من العرب وذراريهم وان شاء من عليهم وتركهم أحرارا بالذمة كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه بسواد العراق الا مشركي العرب والمرتدين فإنه لا يجوز تركهم بالذمة وعقد الجزية كما لا يجوز بالاسترقاق لما بينا ولو شهدوا بشهادة قبل ان يجعلهم الامام ذمة لم تجز شهادتهم لأنهم أهل الحرب فان جعلهم ذمة فأعادوا الشهادة جازت لان شهادة أهل الذمة مقبولة في الجملة فاما شهادة أهل الحرب فغير مقبولة أصلا وليس للامام ان يمن على الأسير فيتركه من غير ذمة لا يقتله ولا يقسمه لأنه لو فعل ذلك لرجع إلى المنعة فيصير حربا علينا فان قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الزبير بن باطال من بنى قريضة وكذا من على أهل خيبر فالجواب انه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الزبير ولم يقتله اما لأنه لم يثبت انه ترك بالجزية أم بدونها فاحتمل انه تركه بالجزية وبعقد الذمة وأما أهل خيبر فقد كانوا أهل الكتاب فتركهم ومن عليهم ليصيروا كرة للمسلمين ويجوز المن لذلك لان ذلك في معنى الجزية فيكون تركا بالجزية من حيث المعنى وهل للامام ان يفادى الأسارى اما المفاداة بالمال فلا تجوز عند أصحابنا في ظاهر الروايات وقال محمد مفاداة الشيخ الكبير الذي لا يرجى له ولد تجوز وعند الشافعي رحمه الله تجوز المفادات بالمال كيف ما كان واحتج بظاهر قوله عز وجل فاما منا بعد واما فداء وقد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسارى بدر بالمال وأدنى درجات فعليه عليه الصلاة والسلام الجواز والإباحة (ولنا) ان قتل الأسرى مأمور به لقوله فاضربوا فوق الأعناق وانه منصرف إلى ما بعد الاخذ والاسترقاق لما قلنا وقوله سبحانه وتعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والامر بالقتل للتوسل إلى الاسلام فلا يجوز تركه الا لما شرع له القتل وهو أن يكون وسيله إلى الاسلام ولا يحصل معنى التوسل بالمفاداة فلا يجوز
(١١٩)