أولى ولو ادعى أهل تلك المحلة على رجل منهم أو من غيرهم تصح دعواهم فان أقاموا البينة على ذلك الرجل يجب القصاص في العمد والدية في الخطأ ان وافقهم الأولياء في الدعوى على ذلك الرجل وان لم يوافقوهم في الدعوى عليه لا يجب عليه شئ لان الأولياء قد أبرؤه حيث أنكروا وجود القتل منه ولا يجب على أهل المحلة أيضا شئ لأنهم أثبتوا القتل على غيرهم وان لم يقم لهم البينة وحلف ذلك الرجل تجب القسامة على أهل المحلة ثم كيف يحلفون فهو على الاختلاف الذي ذكرنا والله سبحانه وتعالى الموفق * (فصل) * وأما الجناية على ما دون النفس مطلقا فالكلام في هذه الجناية يقع في موضعين أحدهما في بيان أنواعها والثاني في بيان حكم كل نوع منها أما الأول فالجناية على ما دون النفس مطلقا أنواع أربعة أحدها إبانة الأطراف وما يجرى مجرى الأطراف والثاني اذهاب معاني الأطراف مع ابقاء أعينها والثالث الشجاج والرابع الجراح أما النوع الأول فقطع اليد والرجل والإصبع والظفر والانف واللسان والذكر والأنثيين والاذن والشفة وفق ء العينين وقطع الأشفار والأجفان وقلع الأسنان وكسرها وحلق شعر الرأس واللحية والحاجبين والشارب وأما النوع الثاني فتفويت السمع والبصر والشم والذوق والكلام والجماع والايلاد والبطش والمشي وبغير لون السن إلى السواد والحمرة والخضرة ونحوها مع قيام المحال الذي تقوم بها هذه المعاني ويلحق بهذا الفصل اذهاب العقل وأما النوع الثالث فالشجاج أحد عشر أولها. الخارصة. ثم الدامعة. ثم الدامية. ثم الباضعة. ثم المتلاحمة. ثم السمحاق ثم الموضحة ثم الهاشمة. ثم المنقلة. ثم الآمة. ثم الدامغة. (فالخارصة) هي التي تخرص الجلد أي تشقه ولا يظهر منها الدم والدامعة هي التي يظهر منها الدم ولا يسيل كالدمع في العين والدامية هي التي يسيل منها الدم والباضعة هي التي تبضع اللحم أي تقطعه والمتلاحمة هي التي تذهب في اللحم أكثر مما تذهب الباضعة فيه هكذا روى أبو يوسف وقال محمد المتلاحمة قبل الباضعة وهي التي يتلاحم منها الدم ويسود والسمحاق اسم لتلك الجلدة الا ان الجراحة سميت بها والموضحة التي تقطع السمحاق وتوضح العظم أي تظهره والهاشمة هي التي تهشم العظم أي تكسره والمنقلة هي التي تنقل العظم بعد الكسر أي تحوله من موضع إلى موضع والآمة هي التي تصل إلى أم الدماغ وهي جلدة تحت العظم فوق الدماغ والدامغة هي التي تخرق تلك الجلدة وتصل إلى الدماغ فهذه إحدى عشر شجة ومحمد ذكر الشجاج تسعا ولم يذكر الخارصة ولا الدامغة لان الخارصة لا يبقى لها أثر عادة والشجة التي لا يبقى لها أثر لا حكم لها في الشرع والدامغة لا يعيش الانسان معها عادة بل تصير نفسا ظاهرا وغالبا فتخرج من أن تكون شجة فلا معنى لبيان حكم الشجة فيها لذلك ترك محمد ذكرهما والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) النوع الرابع فالجراح نوعان جائفة وغير جائفة فالجائفة هي التي تصل إلى الجوف والمواضع التي تنفذ الجراحة منها إلى الجوف هي الصدر والظهر والبطن والجنبان وما بين الأنثيين والدبر ولا تكون في اليدين والرجلين ولا في الرقبة والحلق جائفة لأنه لا يصل إلى الجوف وروى عن أبي يوسف ان ما وصل من الرقبة إلى الموضع الذي لو وصل إليه من الشراب قطرة يكون جائفة لأنه لا يقطر الا إذا وصل إلى الجوف ولا تكون الشجة الا في الرأس والوجه وفى مواضع العظم مثل الجبهة والوجنتين والصدغين والذقن دون الخدين ولا تكون الآمة الا في الرأس والوجه وفى الموضع الذي تتخلص منه إلى الدماغ ولا يثبت حكم هذه الجراحات الا في هذه المواضع عند عامة العلماء رضي الله عنهم وقال بعض الناس يثبت حكم هذه الجراحات في كل البدن وهذا غير سديد لان هذا القائل ان رجع في ذلك إلى اللغة فهو غلط لان الغرب تفصل بين الشجة وبين مطلق الجراحة فتسمى ما كان في الرأس والوجه في مواضع العظم منها شجة وما كان في سائر البدن جراحة فتسمية الكل شجة يكون غلطا في اللغة وان رجع فيه إلى المعنى فهو خطأ لان حكم هذه الشجاج يثبت للشين الذي يلحق المشجوج ببقاء أثرها بدليل أنها لو برأت ولم يبق لها أثر لم يجب بها أرش والشين إنما يلحق فيما يظهر في البدن وذلك هو الوجه والرأس وأما سواهما فلا يظهر بل يغطى عادة فلا يلحق الشين فيه مثل ما يلحق في الوجه والرأس
(٢٩٦)