منها سكوت المولى عند تصرف العبد بالبيع والشراء وقد ذكرناه (ومنها) سكوت البالغة البكر عند استئمار الولي أنه يكون اذنا وقت العقد وبعده يكون إجازة (ومنها) سكوت الشفيع إذا علم بالشراء أنه يكون تسليما للشفعة (ومنها) سكوت الواهب أو المتصدق عند قبض الموهوب له والمتصدق عليه بحضرته أن يكون اذنا بالقبض (ومنها) سكوت المجهول النسب إذا باعه انسان بحضرته وقال له قم فاذهب مع مولاك فقام وسكت أنه يكون اقرارا منه بالرق حتى لا تسمع دعواه الحرية بعد ذلك (وأما) سكوت البائع بيعا صحيحا بثمن حال عند قبض المشترى بحضرته هل يكون اذنا بالقبض ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يكون اذنا بالقبض وذكر الطحاوي رحمه الله أنه يكون اذنا كما في البيع الفاسد ودلائل هذه المسائل نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى وعلى هذا إذا قال لعبده أد إلى كل يوم كذا أو كل شهر كذا يصير مأذونا لأنه لا يتمكن من أداء الغلة إلا بالكسب فكان الاذن بأداء الغلة اذنا بالتجارة وكذلك لو قال لعبده أد إلى ألفا وأنت حر أو قال إن أديت إلى ألفا فأنت حر يصير مأذونا لان غرضه حمل العبد على العتق بواسطة تحصيل الشرط ولا يتمكن من تحصيله الا بالتصرف فكان التعليق دليلا على الاذن وكذلك إذا قال له أدلى ألفا وأنت حر فهذا والأول سواء لأنه يستعمل في التعليق عرفا وعادة ولو قال له أد وأنت حر لا يصير مأذونا ويعتق للحال لان هذا تنجيز وليس بتعليق وعلى هذا إذا كاتب عبده يصير مأذونا لأنه لما كاتبه فقد جعله أحق بكسبه ولا يكون ذلك الا بالتجارة والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما شرائط الركن فأنواع منها أن يكون الاذن لمن يعقل التجارة لان الاذن بالتجارة لمن لا يعقل سفه فاما البلوغ فليس بشرط لصحة الاذن فيصح الاذن للعبد بالغا كان أو صبيا بعد إن كان يعقل البيع والشراء لما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجيب دعوة المملوك من غير فصل فدل الحديث على جواز الاذن بالتجارة لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان ليجيب دعوة المحجور ويأكل من كسبه فتعين المأذون وكذا الاذن للأمة والمدبرة وأم الولد بعد ان عقلوا التجارة لان اسم المملوك يتناول الكل وكذا يجوز الاذن للصبي الحر بالتجارة إذا كان يعقل التجارة وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز الاذن للصبي بالتجارة بحال حرا كان أو عبدا وكذا سلامة العقل عن الفساد أصلا ليس بشرط لصحة الاذن عندنا حتى يجوز الاذن للمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بالتجارة وعنده شرط (وجه) قوله إن الصبي ليس من أهل التجارة فلا يصح الاذن له بالتجارة وهذا لان أهلية التجارة بالعقد الكامل لأنها تصرف دائرة بين الضرر والنفع فلابد لها من كمال العقل وعقل الصبي ناقص فلا يكفي لأهلية التجارة ولهذا لم يعتبر عقله في الهبة والصدقة والطلاق والعتاق كذا ههنا (ولنا) قوله تبارك وتعالى وابتلوا اليتامى أمر سبحانه وتعالى الأولياء بابتلاء اليتامى والابتلاء هو الاظهار فابتلاء اليتيم اظهار عقله بدفع شئ من أمواله إليه لينظر الولي انه هل يقدر على حفظ أمواله عند النوائب ولا يظهر ذلك الا بالتجارة فكار الامر بالابتلاء اذنا بالتجارة ولان الصبي إذا كان يعقل التجارة يعقل النافع من الضار فيختار المنفعة على المضرة ظاهرا فكان أهلا للتجارة كالبالغ بخلاف الهبة والصدقة والطلاق ونحوها لأنها من التصرفات الضارة المحضة لكونها إزالة ملك لا إلى عوض فلم يجعل الصبي أهلا لها نظرا دفعا للضرر عنه ومنها العلم بالاذن بالتجارة في أحد نوعي الاذن بلا خلاف وبيان ذلك ان الاذن بالإضافة إلى الناس ضربان اذن اسرار واذن اعلان وهو المسمى بالخاص والعام في الكتاب فالخاص أن يقول أذنت لعبدي في التجارة لاعلى وجه ينادى أهل السوق فيقول بايعوا عبدي فلانا فانى قد أذنت له في التجارة ولا خلاف في أن العلم بالاذن شرط لصحة الاذن في هذا النوع لان الاذن هو الاعلام قال الله تبارك وتعالى وأذان من الله ورسوله أي اعلام والفعل لا يعرف اعلاما الا بعد تعلقه بالمعلم ولان اذن العبد يعتبر باذن الشرع ثم حكم الاذن من الشرع لا يثبت في حق المأذون الا بعد علمه به فعلى ذلك اذن العبد ولهذا كان العلم بالوكالة شرطا لصحتها على ما ذكرنا في كتاب الوكالة كذا هذا حتى لم يصح تصرف الوكيل قبل العلم بالوكالة وأما في الاذن العام فقد ذكرنا في كتاب المأذون انه يصير مأذونا وان لم يعلم به العبد وذكر في الزيادات فيمن قال لأهل السوق بايعوا ابني فلانا فبايعوه والصبي لا يعلم
(١٩٣)