محل الاجتهاد فاما إذا كان في محل اختلفوا انه محل الاجتهاد أم لا كبيع أم الولد هل ينفذ فيه قضاء القاضي أم لا فعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ينفذ لأنه محل الاجتهاد عندهما لاختلاف الصحابة في جواز بيعها وعند محمد لا ينفذ لوقوع الاتفاق بعد ذلك من الصحابة وغيرهم على أنه لا يجوز بيعها فخرج عن محل الاجتهاد وهذا يرجع إلى أن الاجماع المتأخر هل يرفع الخلاف المتقدم عندهما لا يرفع وعنده يرفع فكان هذا الفصل مختلفا في كونه مجتهدا فيه فينظر إن كان من رأى القاضي الثاني انه يجتهد فيه ينفذ قضاءه ولا يرده لما ذكرنا في سائر المجتهدات المتفق عليها وإن كان من رأيه انه خرج عن حد الاجتهاد وصار متفقا عليه لا ينفذ بل يرده لان عنده ان قضاء الأول وقع مخالفا للاجماع فكان باطلا ومن مشايخنا من فصل في المجتهدات تفصيلا آخر فقال إن كان الاجتهاد شنيعا مستنكرا جاز للقاضي الثاني ان ينقض قضاء الأول وهذا فيه نظر لأنه إذا صح كونه محل الاجتهاد فلا معنى للفصل بين مجتهد ومجتهد لان ما ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل بينهما فينبغي ان لا يجوز للثاني نقض قضاء الأول لان قضاءه صادف محل الاجتهاد * (فصل) * واما بيان ما يحله القضاء ومالا يحله فالأصل ان قضاء القاضي بشاهدي الزور فيما له ولاية انشائه في الجملة يفيد الحل عند أبي حنيفة رحمه الله وقضاؤه بهما فيما ليس له ولاية انشائه أصلا لا يفيد الحل بالاجماع وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله والشافعي رحمه الله لا يفيد الحل فيهما جميعا فنقول جملة الكلام فيه ان القاضي إذا قضى بشاهدين ثم ظهر انهما شاهدا زور فلا يخلو اما ان قضى بعقد أو فسخ عقد واما ان قضى بملك مرسل فان قضى بعقد أو بفسخ عقد فقضاؤه يفيد الحل عنده وعندهم لا يفيد ولقب المسألة ان قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهود زور هل ينفذ ظاهرا وباطنا فهو على الخلاف الذي ذكرنا وان قضى بملك مرسل لا ينفذ قضاؤه باطنا بالاجماع وبان هذه الجملة في مسائل إذا ادعى رجل على امرأة انه تزوجها فأنكرت فأقام على ذلك شاهدي زور فقضى القاضي بالنكاح بينهما وهما يعلمان انه لا نكاح بينهما حل للرجل وطؤها وحل لها التمكين عند أبي حنيفة وعندهم لا يحل وكذا إذا شهد شاهدان على رجل انه طلق امرأته ثلاثا وهو منكر فقضى القاضي بالفرقة بينهما ثم تزوجها أحد الشاهدين حل له وطؤها وإن كان يعلم أنه شهدا بزور عنده وعندهم لا يحل وعلى هذا الخلاف دعوى البيع والاعتاق وفى الهبة عن أبي حنيفة رحمه الله روايتان وأجمعوا على أنه لو ادعى نكاح امرأة وهي تنكر وتقول أنا أخته من الرضاع أو أنا في عدة من زوج آخر فشهد بالنكاح شاهدان وقضى القاضي بشهادتهما والمرأة تعلم أنها كما أخبرت لا يحل لها التمكين وأجمعوا أيضا على أنه لو ادعى رجل أن هذه جاريته وهي تنكر فأقام على ذلك شاهدين وقضى القاضي بالجارية انه لا يحل له وطؤها إذا كان يعلم أنه كاذب في دعواه ولا يحل لاحد الشاهدين أيضا ان يشتريها احتجوا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض وإنما أنا بشر فمن قضيت له من مال أخيه شيئا بغير حق فإنما أقطع له قطعة من النار أخبر الشارع عليه الصلاة والسلام ان القضاء بما ليس للمدعى قضاء له بقطعة من النار ولو نفذ قضاؤه باطنا لما كان القضاء به قضاء بقطعة من النار ولان القضاء إنما ينفذ بالحجة وهي الشهادة الصادقة وهذه كاذبة بيقين فلا ينفذ حقيقة ولهذا لم ينفذ بالملك المرسل وكذا إذا كانت المرأة محرمة بالعدة والردة أو الرضاع أو القرابة أو المصاهرة كذا هذا ولأبي حنيفة رضي الله عنه ان قضاء القاضي بما يحتمل الانشاء انشاء له فينفذ ظاهرا وباطنا كما لو أنشأ صريحا ودلالة الوصف ان القاضي مأمور بالقضاء بالحق ولا يقع قضاؤه بالحق فما يحتمل الانشاء الا بالحمل على الانشاء لان البينة قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة فيجعل انشاء والعقود والفسوخ مما تحتمل الانشاء من القاضي فان للقاضي ولاية انشائها في الجملة بخلاف الملك المرسل لان نفس الملك مما لا يحتمل الانشاء ولهذا لو أنشأ القاضي أو غيره صريحا لا يصح وبخلاف ما إذا كانت المرأة محرمة بأسباب لان هناك ليس للقاضي ولاية الانشاء ألا ترى انه لو أنشأ صريحا لا ينفذ واما الحديث فقد
(١٥)