* (فصل) * وأما بيان كيفية فرضية الجهاد فالامر فيه لا يخلو من أحد وجهين اما إن كان النفير عاما (واما) ان لم يكن فإن لم يكن النفير عاما فهو فرض كفاية ومعناه ان يفترض على جميع من هو من أهل الجهاد لكن إذا قام به البعض سقط عن الباقين لقوله عز وجل فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدة درجة وكلا وعد الله الحسنى وعد الله عز وجل المجاهدين والقاعدين الحسنى ولو كان الجهاد فرض عين في الأحوال كلها لما وعد القاعدين الحسنى لان القعود يكون حراما وقوله سبحانه وتعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين الآية ولان ما فرض له الجهاد وهو الدعوة إلى الاسلام واعلاء الدين الحق ودفع شر الكفرة وقهرهم يحصل بقيام البعض به وكذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث السرايا ولو كان فرض عين في الأحوال كلها لكان لا يتوهم منه القعود عنه في حال ولا اذن غيره بالتخلف عنه بحال وإذا كان فرضا على الكفاية فلا ينبغي للامام ان يخلى ثغرا من الثغور من جماعة من الغزاة فيهم غنا وكفاية لقتال العدو فإذا قاموا به يسقط عن الباقين وان ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو فعلى من وراءهم من المسلمين الأقرب فالأقرب ان ينفروا إليهم وان يمدوهم بالسلاح والكراع والمال لما ذكرنا انه فرض على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد لكن الفرض يسقط عنهم بحصول الكفاية بالبعض فما لم يحصل لا يسقط ولا يباح للعبد ان يخرج الا بإذن مولاه ولا المرأة الا باذن زوجها لان خدمة المولى والقيام بحقوق الزوجية كل ذلك فرض عين فكان مقدما على فرض الكفاية وكذا الولد لا يخرج الا باذن والديه أو أحدهما إذا كان الاخر ميتا لان بر الوالدين فرض عين فكان مقدما على فرض الكفاية والأصل ان كل سفر لا يؤمن فيه الهلاك ويشتد فيه الخطر لا يحل للولد ان يخرج إليه بغير اذن والديه لأنهما يشفقان على ولدهما فيتضرران بذلك وكل سفر لا يشتد فيه الخطر يحل له ان يخرج إليه بغير اذنهما إذا لم يضيعهما لانعدام الضرر ومن مشايخنا من رخص في سفر التعلم بغير اذنهما لأنهما لا يتضرران بذلك بل ينتفعان به فلا يلحقه سمة العقوق هذا إذا لم يكن النفير عاما فاما إذا عم النفير بان هجم العدو على بلد فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى انفروا خفافا وثقالا قيل نزلت في النفير وقوله سبحانه وتعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ولان الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت لان السقوط عن الباقين بقيام البعض به فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به الا بالكل فبقي فرضا على الكل عينا بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير اذن مولاه والمرأة بغير اذن زوجها لان منافع العبد والمرأة في حق العبادات المفروضة عينا مستثناة عن ملك المولى والزوج شرعا كما في الصوم والصلاة وكذا يباح للولد أن يخرج بغير اذن والديه لان حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان من يفترض عليه فنقول إنه لا يفترض الا على القادر عليه فمن لا قدرة عليه لا جهاد عليه لان الجهاد بذل الجهد وهو الوسع والطاقة بالقتال أو المبالغة في عمل القتال ومن لا وسع له كيف يبذل الوسع والعمل فلا يفرض على الأعمى والأعرج والزمن والمقعد والشيخ والهرم والمريض والضعيف والذي لا يجد ما ينفق قال الله سبحانه وتعالى ليس على الأعمى حرج الآية وقال سبحانه وتعال عز من قائل ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله فقد عذر الله جل شأنه هؤلاء بالتخلف عن الجهاد ورفع الحرج عنهم ولا جهاد على الصبي والمرأة لان بنيتهما لا تحتمل الحرب عادة وعلى هذا الغزاة إذا جاءهم جمع من المشركين ما لا طاقة لهم به وخافوهم ان يقتلوهم فلا بأس لهم ان ينحازوا إلى بعض أمصار المسلمين أو إلى بعض جيوشهم والحكم في هذا الباب لغالب الرأي وأكبر الظن دون العدد فان غلب على ظن الغزاة انهم يقاومونهم يلزمهم الثبات وإن كانوا أقل عددا منهم وإن كان غالب ظنهم انهم يغلبون فلا بأس ان ينحازوا إلى المسلمين ليستعينوا بهم وإن كانوا أكثر عددا من الكفرة وكذا الواحد من الغزاة ليس معه سلاح مع اثنين منهم معهما سلاح أو مع واحد منهم من الكفرة ومعه
(٩٨)