للمسلمين وقد وجد ولا بأس بأن يأخذ المسلمون على ذلك جعلا لان ذلك في معنى الجزية ويوضع موضع الخراج في بيت المال ولا بأس أن يطلب المسلمون الصلح من الكفرة ويعطوا على ذلك مالا إذا اضطروا إليه لقوله سبحانه وتعالى وان جنحوا للسلم فاجنح لها أباح سبحانه وتعالى لنا الصلح مطلقا فيجوز ببدل أو غير بدل ولان الصلح على مال لدفع شر الكفرة للحال والاستعداد للقتال في الثاني من باب المجاهدة بالمال والنفس فيكون جائزا وتجوز موادعة المرتدين إذا غلبوا على دار من دور الاسلام وخيف منهم ولم تؤمن غائلتهم لما فيه من مصلحة دفع الشر للحال ورجاء رجوعهم إلى الاسلام وتوبتهم ولا يؤخذ منهم على ذلك مال لان ذلك في معنى الجزية ولا يجوز أخذ الجزية من المرتدين فان أخذ منهم شيئا لا يرد لأنه مال غير معصوم ألا ترى ان أموالهم محل للاستيلاء كأموال أهل الحرب وكذلك البغاة تجوز موادعتهم لأنه لما جازت موادعة الكفرة فلان تجوز موادعة المسلمين أولى ولكن لا يؤخذ منهم على ذلك مال لان المال المأخوذ على ترك القتال يكون في معنى الجزية ولا تؤخذ الجزية الا من كافر (وأما) حكم الموادعة فما هو حكم الأمان المعروف وهو أن يأمن الموادعون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم لأنها عقد أمان أيضا ولو خرج قوم من الموادعين إلى بلدة أخرى ليست بينهم وبين المسلمين موادعة فغزا المسلمون تلك البلدة فهؤلاء آمنون لا سبيل لاحد عليهم لان عقد الموادعة أفاد الأمان لهم فلا ينتفض بالخروج إلى موضع آخر كما في الأمان المؤبد وهو عقد الذمة انه لا يبطل بدخول الذمي دار الحرب كذا هذا وكذلك لو دخل في دار الموادعة رجل من غير دراهم بأمان ثم خرج إلى دار الاسلام بغير أمان فهو آمن لأنه لما دخل دار المودعين بأمانهم صار كواحد من جملتهم فلو عاد إلى داره ثم دخل دار الاسلام بغير أمان كافيا لنا أن نقتله ونأسره لأنه لما رجع إلى داره فقد خرج من أن يكون من أهل دار الموادعة فبطل حكم الموادعة في حقه فإذا دخل دار الاسلام فهذا حربي دخل دار الاسلام ابتداء بغير أمان ولو أسر واحدا من الموادعين أهل دار أخرى فغزى المسلمون على تلك الدار كان فيأ وقد ذكرنا انه لو دخل إليهم تاجرا فهو آمن (ووجه) الفرق انه لما أسر فقد انقطع حكم دار الموادعة في حقه وإذا دخل تاجرا لم ينقطع والله تعالى أعلم (وأما) صفة عقد الموادعة فهو انه عقد غير لازم محتمل للنقض فللامام أن ينبذ إليهم لقوله سبحانه وتعالى واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء فإذا وصل النبذ إلى ملكهم فلا باس للمسلمين أن يغزوا عليهم لان الملك يبلغ قومه ظاهرا الا إذا استيقن المسلمون ان خبر النبذ لم يبلغ قومه ولم يعلموا به فلا أحب أن يغزوا عليهم لان الخبر إذا لم يبلغهم فهم على حكم الأمان الأول فكان قتالهم منا غدرا وتعزيرا وكذلك إذا كان النبذ من جهتهم بان أرسلوا الينا رسولا بالنبذ وأخبروا الامام بذلك فلا باس للمسلمين أن يغزوا عليهم لما قلنا الا إذا استيقن المسلمون أن أهل ناحية منهم لم يعلموا بذلك لما بينا ولو وادع الامام على جعل أخذه منهم ثم بدا له أن ينقض فلا باس به لما بينا أنه عقد غير لازم فكان محتملا للنقض ولكن يبعث إليهم بحصة ما بقي من المدة من الجعل الذي أخذه لأنهم إنما أعطوه ذلك بمقابلة الأمان في كل المدة فإذا فات بعضها لزم الرد بقدر الفائت هذا إذا وقع الصلح على أن يكونوا مستبقين على أحكام الكفر (فاما) إذا وقع الصلح على أنه يجرى عليهم أحكام الاسلام فهو لازم يحتمل النقض لان الصلح الواقع على هذا الوجه عقد ذمة فلا يجوز للامام أن ينبذ إليهم والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) بيان ما ينقض به عقد الموادعة فالجملة فيه أن عقد الموادة (اما) إن كان مطلقا عن الوقت (اما) إن كان موقتا بوقت معلوم فإن كان مطلقا عن الوقت فالذي ينتقض به نوعان نص ودلالة فالنص هو النبذ من الجانبين صريحا (وأما) الدلالة فهي أن يوجد منهم ما يدل على النبذ نحو أن يخرج قوم من دار الموادعة باذن الامام ويقطعوا الطريق في دار الاسلام لان اذن الامام بذلك دلالة النبذ ولو خرج قوم من غير اذن الامام فقطعوا الطريق في دار الاسلام فإن كانوا جماعة لا منعة لهم لا يكون ذلك نقضا للعهد لان قطع الطريق بلا منعة لا يصلح دلالة للنقض ألا ترى انه لو نص واحد منهم على النقض لا ينتقض كما في الأمان المؤبد وهو عقد الذمة وإن كانوا جماعة لهم منعة فخرجوا بغير اذن الامام ولا اذن أهل مملكته
(١٠٩)