أن يكون المقذوف به متصور الوجود من المقذوف فإن كان لا يتصور لم يكن قاذفا وعلى هذا يخرج ما إذا قال لآخر زنى فخذك أو ظهرك انه لا حد عليه لان الزنا لا يتصور من هذه الأعضاء حقيقة فكان المراد منه المجاز من طريق النسب كما قال عليه الصلاة والسلام العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه وكذلك لو قال زنيت بإصبعك لان الزنا بالإصبع لا يتصور حقيقة ولو قال زنى فرجك يحد لان الزنا بالفرج يتحقق كأنه قال زنيت بفرجك ولو قال لامرأة زنيت بفرس أو حمار أو بعير أو ثور لا حد عليه لأنه يحتمل انه أراد به تمكينها من هذه الحيوانات لان ذلك متصور حقيقة ويحتمل انه أراد به جعل هذه الحيوانات عوضا وأجرة على الزنا فان أراد به الأول لا يكون قذفا لأنها بالتمكين منها لا تصير مزنيا بها لعدم تصور الزنا من البهيمة وان أراد به الثاني يكون قذفا كما إذا قال زنيت بالدراهم أو بالدنانير أو بشئ من الأمتعة فلا يجعل قذفا مع الاحتمال ولو قال لها زنيت بناقة أو ببقرة أو أتان أو رمكة فعليه الحد لأنه تعذر حمله على التمكين فيحمل على العوض لان حرف الباء قد يستعمل في الاعواض ولو قال ذلك لرجل لم يكن قذفا في جميع ذلك سواء كان ذكرا أو أنثى لأنه يمكن حمله على حقيقة الوطئ ووطؤها لا يتصور أن يكون زنا فلا يكون قذفا ويمكن حمله على العوض فيكون قذفا فوقع الاحتمال في كونه قذفا فلا يجعل قذفا مع الاحتمال ومن مشايخنا من فصل بين الذكر والأنثى فقال يكون قذفا في الذكر لا في الأنثى لان فعل الوطئ من الرجل يوجد في الأنثى فلا يحمل على العوض ولا يوجد في الذكر فيحمل على العوض والصحيح انه لا فرق بين الذكر والأنثى لان الوطئ يتصور في الصنفين في الجملة ول وقال لامرأة زنيت وأنت مكرهة أو معتوهة أو مجنونة أو نائمة لم يكن قذفا لأنه نسبها إلى الزنا في حال لا يتصور منها وجود الزنا فيها فكان كلامه كذبا لا قذفا وبمثله لو قال لامة أعتقت زنيت وأنت أمة أو قال لكافرة أسلمت زنيت وأنت كافرة يكون قذفا وعليه الحد لان في المسألة الأولى قذفها للحال بالزنا في حال لا يتصور منها وجود الزنا فيها فكان كلامه كذبا لا قذفا وفى المسألة الثانية قذفها للحال لوجود الزنا منها في حال يتصور منها الزنا وهي حال الرق والكفر لأنهما لا يمنعان وقوع الفعل زنا وإنما يمنعان الاحصان والاحصان يشترط وجوده وقت القذف لأنه السبب الموجب للحد وقد وجد ولو قال لانسان لست لأمك لا حد عليه كذب محض لأنه نفى النسب من الام ونفى النسب من الام لا يتصور ألا ترى ان أمه ولدته حقيقة وكذلك لو قال له لست لأبويك لأنه نفى نسبه عنهما ولا ينتفى عن الام لأنها ولدته فيكون كذبا بخلاف قوله لست لأبيك لان ذلك ليس بنفي لولادة الام بل هو نفى النسب عن الأب ونفى النسب عن الأب يكون قذفا فاللام وكذلك لو قال له لست لأبيك ولست لأمك في كلام موصول لم يكن قذفا لان هذا وقوله لست لأبويك سواء ولو قال له لست لآدم أو لست لرجل أو لست لانسان لا حد عليه لأنه كذب محض لان نسبه لا يحتمل الانقطاع عن هؤلاء فكان كذبا محضا لا قذفا فلا يجب الحد وعلى هذا يخرج ما إذا قال لرجل يا زانية انه لا يكون قذفا عندهما وعند محمد يكون قذفا (وجه) قوله إن الهاء قد تدخل صلة زائدة في الكلام قال الله تعالى عز شأنه خبرا عن الكفار ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه ومعناه مالي وسلطاني والهاء زائدة فيحذف الزائد فيبقى قوله يا زاني وقد تدخل في الكلام للمبالغة في الصفة كما يقال علامة ونسابة ونحو ذلك فلا يختل به معنى القذف يدل عليه ان حذفه في نعت المرأة لا يخل بمعنى القذف حتى لو قال لامرأة يا زاني يجب الحد بالاجماع فكذلك الزيادة في نعت الرجل ولهما انه قذفه بما لا يتصور فيلغو ودليل عدم التصور انه قذفه بفعل المرأة وهو التمكين لان الهاء في الزانية هاء التأنيث كالضاربة والقاتلة والسارقة ونحوها وذلك لا يتصور من الرجل بخلاف ما إذا قال لامرأة يا زاني لأنه أتى بمعنى الاسم وحذف الهاء وهاء التأنيث قد تحذف في الجملة كالحائض والطالق والحامل ونحو ذلك والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى المقذوف فيه وهو المكان فهو أن يكون القذف في دار العدل فإن كان في دار الحرب أو في دار البغي فلا يوجب الحد لان المقيم للحدود هم الأئمة ولا ولاية لامام أهل العدل على دار الحرب ولا على دار البغي
(٤٥)