رضي الله عنه لما ذكرنا أن القصاص لا يحتمل التجزئة والشركة في غير المتجزئ محال وإنما تثبت الشركة إذا انقلب ما لا لان المال محل قابل للشركة على أن أبا حنيفة ان سلم أن القصاص مشترك بين الصغير والكبير فلا بأس بالتسليم لأنه يمكن القتل بثبوت ولاية الاستيفاء للكبير في نصيبة بطريق الأصالة وفى نصيب الصغير بطريق النيابة شرعا كالقصاص إذا كان بين انسان وابنه الصغير والجامع بينهما حاجتهما إلى استيفاء القصاص لاستيفاء النفس وعجز الصغير عن الاستيفاء بنفسه وقدرة الكبير على ذلك وكون تصرفه في النظر والشفقة في حق الصغير مثل تصرف الصغير بنفسه لو كان أهلا ولهذا يلي الأب والجد استيفاء قصاص وجب كله للصغير فهذا أولى ولأبي حنيفة رحمه الله اجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فإنه روى أنه لما جرح ابن ملجم لعنه الله سيدنا عليا كرم الله تعالى وجهه فقال للحسن رضي الله عنه ان شئت فاقتله وان شئت فاعف عنه وان تعفو خير لك فقتله سيدنا الحسن رضي الله عنه وكان في ورثة سيدنا علي رضي الله عنه صغار والاستدلال من وجهين أحدهما بقول سيدنا علي رضي الله عنه والثاني بفعل سيدنا الحسن رضي الله عنه (أما) الأول فلانه خير سيدنا الحسن رضي الله عنه حيث قال إن شئت فاقتله مطلقا من غير التقييد ببلوغ الصغار (وأما) الثاني فلان الحسن رضي الله عنه قتل ابن ملجم لعنه الله ولم ينتظر بلوغ الصغار وكل ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينقل انه أنكر عليهما أحد فيكون اجماعا وان لم يكن له وارث وكان له مولى العتاقة وهو المعتق فالمستحق للقصاص هو لان مولى العتاقة آخر العصبات ثم إن كان واحدا استحق كله وإن كانوا جماعة استحقوه وإن كان للمقتول وارث ومولى العتاقة أيضا فلا قصاص لان الولي مشتبه لاشتباه سبب الولاية فالسبب في حق الوارث هو القرابة وفى حق المولى الولاء وهما سببان مختلفان واشتباه الولي يمنع الوجوب للقصاص وكذلك ان لم يكن له مولى العتاقة وله مولى المولاة لأنه آخر الورثة فجاز ان يستحق القصاص كما يستحق المال وان لم يكن له وارث ولا له مولى العتاقة ولا مولى المولاة كاللقيط وغيره فالمستحق هو السلطان في قولهما وقال أبو يوسف رحمه الله لا يستحقه إذا كان المقتول في دار الاسلام والحجج تأتى في موضعها إن شاء الله تعالى وإن كان المقتول عبدا فالمستحق هو المولى لان الحق قد ثبت وأقرب الناس إلى العبد مولاه ثم إن كان المولى واحدا استحق كله وإن كان جماعة استحقوه لوجود سبب الاستحقاق في حق الكل وهو الملك والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان من يلي استيفاء القصاص وشرط جواز استيفائه فولاية استيفاء القصاص تثبت بأسباب منها الوراثة وجملة الكلام فيه ان الوارث لا يخلو اما إن كان واحدا (واما) إن كانوا جماعة فإن كان واحدا لا يخلو اما إن كان كبيرا واما إن كان صغيرا فإن كان كبيرا فله ان يستوفى القصاص لقوله تبارك وتعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ولوجود سبب الولاية في حقه على الكمال وهو الوراثة من غير مزاحمة وإن كان صغيرا اختلف المشايخ فيه قال بعضم ينتظر بلوغه وقال بعضهم يستوفيه القاضي وإن كانوا جماعة فإن كان الكل كبارا فكل واحد منهم ولاية استيفاء القصاص حتى لو قتله أحدهم صار القصاص مستوفى لان القصاص إن كان حق الميت فكل واحد من آحاد الورثة خصما في استيفاء حق الميت كما في المال وإذا كان حق الورثة ابتداء كما قال أبو حنيفة رحمه الله فقد وجد سبب ثبوت الحق في حق كل واحد منهم الا أن حضور الكل شرط جواز الاستيفاء وليس للبعض ولاية الاستيفاء مع غيبة البعض لان فيه احتمال استيفاء ما ليس بحق له لاحتمال العفو من الغائب والى هذا أشار محمد رحمه الله فقال لا أدري لعل الغائب عفا وكذا إذا كان الكل حضورا لا يجوز لهم ولا لأحدهم أن يوكل في استيفاء القصاص على معنى أنه لا يجوز للوكيل استيفاء القصاص مع غيبة الموكل لاحتمال أن الغائب قد عفا ولان في اشتراط حضرة الموكل رجاء العفو منه عند معاينة حلول العقوبة بالقاتل وقد قال الله تبارك وتعالى وان تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم (فاما) الاستيفاء بالوكيل فجائز إذا كان الموكل حاضرا على ما نذكر وإن كان فيهم صغير وكبير فإن كان الكبير هو الأب بأن كان القصاص مشتركا بين الأب وابنه الصغير فللأب أن يستوفى بالاجماع لأنه لو كان
(٢٤٣)