هذا إذا كان القطع قبل الكتابة فإن كان بعدها فمات فإن كان القطع عمدا ينظر ان مات عاجزا فللمولى ان يقتص لأنه مات عبدا وان مات عن وفاء فإن كان مع المولى وارث آخر أو غيره يشاركه في الميراث فلا قصاص لاشتباه الولي وان لم يكن له وارث غير المولى فعلى الاختلاف الذي ذكرنا وإن كان القطع خطأ فان مات عاجزا فالقيمة للمولى لأنه مات عبدا وان مات عن وفاء فالقيمة للورثة لأنه مات حرا والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما كيفية وجوب القصاص فهو انه واجب عينا حتى لا يملك الولي ان يأخذ الدية من القاتل من غير رضاه ولو مات القاتل أو عفا الولي سقط الموجب أصلا وهذا عندنا وللشافعي رحمه الله قولان في قول القصاص ليس بواجب عينا بل الواجب أحد الشيئين غير عين (اما) القصاص (واما) الدية وللولي خيار التعيين ان شاء استوفى القصاص وان شاء أخذ الدية من غير رضا القاتل فعلى هذا القول إذا مات القاتل يتعين المال واجبا فإذا عفا الولي سقط الموجب أصلا وفى قول القصاص واجب عينا لكن للولي ان يأخذ المال من غير رضا القاتل وإذا عفا له ان يأخذ المال وإذا مات القاتل سقط الموجب أصلا احتج بقوله تعالى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان معناه فليتتبع وليؤد الدية أوجب سبحانه وتعالى على القاتل أداء الدية إلى الولي مطلقا عن شرط الرضا لان أداء الدية صيانة النفس عن الهلاك وانه واجب قال الله تعالى جل شأنه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولان ضمان القتل يجب حقا للمقتول لان الجناية وردت على حقه فكان الواجب بها حقا له وحق العبد ما ينتفع به والمقتول لا ينتفع بالقصاص وينتفع بالمال لأنه تقضى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه وكان ينبغي أن لا يشرع القصاص أصلا الا أنه شرع لحكمة الزجر لان الانسان لا يمتنع من قتل عدوه خوفا من لزوم المال فشرع ضمانا زاجرا كان ينبغي أن يجمع بينهما كما في شرب خمر الذمي الا أنه تعذر الجمع لان الدية بدل النفس وفى القصاص معنى البدلية قال الله تبارك وتعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والباء تستعمل في الابدال فتؤدى إلى الجمع بين البدلين وهذا لا يجوز فخير بينهما (ولنا) قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى وهذا يفيد تعين القصاص موجبا ويبطل مذهب الابهام جميعا أما الابهام فلانه أخبر عن كون القصاص واجبا فيصدق القول عليه بأنه واجب وإن كان عليه أحد حقين لا يصدق القول على أحدهما بأنه أوجب (وأما) التعيين فلانه إذا وجب القصاص على الإشارة إليه بطل القول بوجوب الدية بضرورة النص لأنه لا يقابل بالجمع بينهما فبطل القول باختيار الدية من غير رضا القاتل ولان القصاص إذا كان عين حقه كانت الدية بدل حقه وليس لصاحب الحق أن يعدل من غير الحق إلى بدله من غير رضا من عليه الحق كمن عليه حنطة موصوفة فأراد صاحب الحق أن يأخذ منه قيمتها من غير رضاه ليس له ذلك كذا هذا وقوله عليه الصلاة والسلام العمد قود وجه الاستدلال به على نحو وجه الاستدلال بالآية الشريفة ولان ضمان العدوان الوارد على حق العبد مقيد بالمثل والقصاص وهو القتل الثاني مثل القتل الأول لأنه ينوب مناب الأول ويسد مسده ومثل الشئ غيره الذي ينوب منابه ويسد مسده وأخذ المال لا ينوب مناب القتل ولا يسد مسده فلا يكون مثلا له فلا يصلح ضمانا للقتل العمد وكان ينبغي أن لا يجب أصلا الا ان الوجوب في قتل الخطأ ثبت شرعا تخفيفا على الخاطئ نظرا له اظهار الخطر الدم صيانة له عن الهدر والعامد لا يستحق التخفيف والصيانة تحصل بالقصاص فبقي ضمانا أصليا في الباب (وأما) الآية الشريفة فالمراد من قوله سبحانه وتعالى فمن عفى له من أخيه شئ هو الولي لا القاتل لأنه قال الله تبارك وتعالى فمن عفى له والقاتل معفو عنه لا معفو له ولأنه قال تعالى اسمه فاتباع بالمعروف فليتبع وانه أمر لمن دخل تحت كلمة فمن ومعلوم أن القاتل لا يتبع أحدا بل هو المتبع وإنما المتبع هو الولي فكان هو الداخل تحت كلمة فمن فكان معنى الآية الكريمة فمن بذل له وأعطى له من أخيه شئ بطريق الفضل والسهولة فليتبع بالمعروف ويجوز استعمال لفظ العفو بمعنى الفضل لغة قال الله سبحانه وتعالى يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو أي الفضل وتقول العرب خذ ما أتاك عفوا أي فضلا ونحن به نقول إنه يجوز أخذ المال من القاتل برضاه وقيل الا آية
(٢٤١)