بالصدق وحال الاكراه لا يدل على الصدق لان الانسان لا يتحرج عن الكذب حالة الاكراه فلا يثبت الرجحان ولان الاقرار من باب الشهادة قال الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم والشهادة على أنفسهم ليس الا الاقرار على أنفسهم والشهادة ترد بالتهمة وهو متهم حالة الاكراه ولو أكره على الاقرار بالحدود والقصاص لما قلنا بل أولى لان الحدود والقصاص تسقط بالشبهات فاما المال فلا يسقط بالشبهة فلما لم يصح هناك فلان لا يصح ههنا أولى ولو أكره على الاقرار بذلك ثم خلى سبيله قبل أن يقر به ثم أخذه فأقر به من غير تجديد الاكراه فهذا على وجهين اما ان توارى عن بصر المكره حين ما خلى سبيله واما ان لم يتوار عن بصره حتى بعث من أخذه ورده إليه فإن كان قد توارى عن بصره ثم أخذه فاقر اقرارا مستقبلا جاز اقراره لأنه لما خلى سبيله حتى توارى عن بصره فقد زال الاكراه عنه فإذا أقر به من غير اكراه جديد فقد أقر طائعا فصح وان لم يتوار عن بصره بعد حتى رده إليه فأقر به من غير تجديد الاكراه لم يصح اقراره لأنه إذا لم يتوار عن بصره فهو على الاكراه الأول ولو اكره على الاقرار بالقصاص فاقر به فقتله حين ما أقر به من غير بينة فإن كان المقر معروفا بالذعارة يدرأ عنه القصاص استحسانا وان لم يكن معروفا بها يجب القصاص والقياس ان لا يجب القصاص كيف ما كان وجه القياس ان الاقرار عنه الاكراه لما لم يصح شرعا صار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة فصار كما لو قتله ابتداء وجه الاستحسان ان الاقرار إن كان لا يصح مع الاكراه لكن لهذا الاقرار شبهة الصحة إذا كان المقر معروفا بالذعارة لوجود دليل الصدق في الجملة وذا يورث شبهة في وجوب القصاص فبدأ للشبهة وإذا لم يكن معروفا بالذعارة فاقراره لا يورث شبهة في الوجوب فيجب ومثال هذا إذا دخل رجل على رجل في منزلة فخاف صاحب المنزل انه ذاعر دخل عليه ليقتله ويأخذ ماله فبادره وقتله فإن كان الداخل معروفا بالذعارة لا يجب القصاص على صاحب المنزل وان لم يكن معروفا بالذعارة يجب القصاص عليه كذا هذا وإذا لم يجب القصاص يجب الأرش لان سقوط القصاص للشبهة وانها لا تمنع وجوب المال وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما انه لا يجب الأرش أيضا إذا كان معروفا بالذعارة * (فصل) * وأما بيان حكم ما عدل المكره إلى غير ما وقع عليه الاكراه أو زاد على ما وقع عليه الاكراه أو نقص عنه فنقول وبالله التوفيق العدول عما وقع عليه الاكراه إلى غيره لا يخلو من وجهين اما أن يكون بالعقد في الاعتقادات أو بالفعل في المعاملات أما حكم العدول عما وقع عليه الاكراه بالعقد في الاعتقادات فقد ذكرناها فيما تقدم (وأما) العدول إلى غير ما قوع عليه الاكراه بالفعل في المعاملات فنقول إذا عدل المكره إلى غير ما وقع عليه الاكراه بالفعل جاز ما فعل لأنه طائع فيما عدل إليه حتى لو أكره على بيع جاريته فوهبها جاز لأنه عدل عما أكره عليه لتغاير البيع والهبة وكذلك لو طولب بمال وذلك المال أصله باطل وأكره على أدائه ولم يذكر له بيع الجارية فباع جاريته جاز البيع لأنه في بيع الجارية طائع ولو أكره على الاقرار بألف درهم فاقر بمائه دينار أو صنف آخر غير ما أكره عليه جاز لأنه طائع فيما أقر به وهذا بخلاف ما إذا أكره على أن يبيع عبده من فلان بألف درهم فباعه منه بمائة دينار ان البيع فاسد استحسانا جائز قياسا فقد اعتبر الدراهم والدنانير جنسين مختلفين في الاقرار قياسا واستحسانا واعتبرها جنسا واحدا في الانشاء استحسانا لأنهما جنسان مختلفان حقيقة الا انهما جعلا جنسا في موضع الانشاء بل مخالفة الحقيقة لمعنى هو منعدم في الاقرار وهو ان الفائت بالاكراه هو الرضا طبعا والاكراه على البيع بألف درهم كما يعدم الرضا بالبيع بألف درهم يعدم الرضا بالبيع بمائة دينار قيمته الف لاتحاد المقصود منها وهو المنية فكان انعدام الرضا بالبيع بأحدهما دليل على انعدام الرضا بالبيع بالآخر فكان الاكراه على البيع بأحدهما اكراها على البيع بالآخر بخلاف ما إذا أكره على البيع بألف فباعه بمكيل أو موزون آخر سوى الدراهم والدنانير لان هناك المقصود مختلف فلم يكن كراهة البيع بأحدهما كراهة البيع بالآخر وهذا المعنى لا يوجد في الاقرار لان بطلان اقرار المكره لانعدام رجحان جانب الصدق على جانب الكذب في اختياره بدلالة الاكراه فيختص بمورد الاكراه وهو الدراهم فكان
(١٩٠)