في دار الاسلام فالغنائم للأولين سواء قسمها الآخرون أو لم يقسموها لان الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء الا بعد الاحراز بدار الحرب ولم يوجد فكانت الغنائم في حكم يد الأولين ما دامت في دار الاسلام فكان الآخرون أخذوه من أيدي الأولين فيلزمهم الرد عليهم الا إذا كان الامام قسمها بين الآخرين ورأيه ان الكفرة قد ملكوها بنفس الاخذ والاستيلاء وإن كانوا في دار الاسلام كما هو مذهب بعض الناس فكانت قسمة في محل الاجتهاد فتنفذ وتكون للآخرين والله تعالى أعلم هذا الذي ذكرنا من كون الاحراز بدار الاسلام شرطا لثبوت الملك في الغنائم المشتركة (وأما) الغنائم الخالصة وهي الأنفال فهل هو شرط فيها (قال) بعض المشايخ انه شرط عند أبي حنيفة حتى لا يثبت الملك بينهما فيها قبل الاحراز بدار الاسلام (وعند) محمد ليس بشرط فيثبت الملك فيها بنفس الاخذ والإصابة استدلالا بمسألة ظهر فيها اختلاف وهي ان الامام إذا نفل فقال من أصاب جارية فهي له فأصاب رجل من المسلمين جارية فاستبرأها في دار الحرب بحيضة لا يحل له وطؤها (عند) أبي حنيفة وعند محمد يحل (وقال) بعضهم الاحراز بالدار ليس بشرط لثبوت الملك في الأنفال بالاجماع واختلافهما في تلك المسألة لا يدل على الاختلاف في ثبوت الملك لأنه كما ظهر الاختلاف بينهما في النقل فقد ظهر الاختلاف في الغنيمة المقسومة فان الامام إذا قسم الغنائم في دار الحرب فأصاب رجلا جارية فاستبرأها بحيضة فهو على الاختلاف وكذا لو رأى الامام بيع الغنائم فباع من رجل جارية فاستبرأها المشترى بحيضة فهو على الاختلاف (ولا خلاف) بين أصحابنا في الغنائم المقسومة انه لا يثبت الملك فيها قبل الاحراز بدار الاسلام دل ان منشأ الخلاف هناك شئ آخر وراء ثبوت الملك وعدمه والصحيح ان ثبوت الملك في النفل لا يقف على الاحراز بدار الاسلام بين أصحابنا بخلاف الغنائم المقسومة لان سبب الملك قد تحقق وهو الاخذ والاستيلاء ولا يجوز تأخير الحكم عن سبب إلا لضرورة وفى الغنائم المقسومة ضرورة وهي خوف شر الكفرة لأنه لو ثبت الملك بنفس الاخذ لاشتغلوا بالقسمة ولتسارع كل أحد إلى إحراز نصيبه بدار الاسلام وتفرق الجمع وفيه خوف توجه الشر عليهم من الكفرة فتأخر الملك فيها إلى ما بعد الاحراز بدار الاسلام لهذه الضرورة وهذه الضرورة منعدمة في الأنفال لأنها خالصة غير مقسومة فلا معنى لتأخير الحكم عن السبب والدليل على التفرقة بينهما ان المدد إذا لحق الجيش لا يشارك المنفل له كما بعد الاحراز بالدار بخلاف الغنيمة المقسومة وكذا لو مات المنفل له يورث نصيبه كما لو مات بعد الاحراز بالدار بخلاف الغنيمة المقسومة فيثبت بهذه الدلائل ان الملك في النفل لا يقف على الاحراز بالدار بلا خلاف بين أصحابنا إلا أن هذا النوع من الملك لا يظهر في حق حل الوطئ عند أبي حنيفة رحمه الله وهذا لا يدل على عدم الملك أصلا ألا ترى ان حل الوطئ قد يمتنع مع قام الملك لعوارض من الحيض والنفاس والمحرمية والصهرية ونحو ذلك ثم إنما يثبت الحل هناك مع ثبوت الملك لأنه ملك متزلزل غير متقرر لاحتمال الزوال ساعة فساعة لان الدار دارهم فكان احتمال الاسترداد قائما ومتى استردوا يرتفع السبب من حين وجوده ويلتحق بالعدم اما من كل وجه أو من وجه فتبين ان الوطئ لم يصادف محله وهو الملك المطلق ولهذا والله تعالى أعلم قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه انه لا يحل وطؤها بعد قسمة الامام وبيعه إذا رأى ذلك وان وقعت قسمته جائزة وبيعه نافذا مفيدا للملك في هذه الصورة كما ذكرنا من المعنى والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما بيان) ما يجوز به الانتفاع من الغنائم ومالا يجوز فالكلام فيه في موضعين (أحدهما) في بيان ما ينتفع به منها (والثاني) في بيان من ينتفع به (أما الأول) فلا باس بالانتفاع بالمأكول والمشروب والعلف والحطب منها قبل الاحراز بدار الاسلام فقيرا كان المنتفع أو غنيا لعموم الحاجة إلى الانتفاع بذلك في حق الكل فإنهم لو كلفوا حملها من دار الاسلام إلى دار الحرب مدة ذهابهم وايابهم ومقامهم فيها لوقعوا في حرج عظيم بل يتعذر عليهم ذلك فسقط اعتبار حق كل واحد من الغانمين في حق صاحبه والتحق بالعدم شرعا والتحقت هذه المحال بالمباحات الأصلية لهذه الضرورة وكذلك كل ما كان مأكولا مثل السمن والزيت والخل لا
(١٢٣)