سلاح لا بأس أن يولى دبره متحيزا إلى فئة والأصل فيه قوله تبارك وتعالى ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير الله عز شأنه نهى المؤمنين عن تولية الادبار عاما بقولة تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار وأوعد عليهم بقوله سبحانه وتعالى ومن يولهم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله الآية لان في الكلام تقديما وتأخيرا معناه والله سبحانه وتعالى أعلم يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله ثم استثنى سبحانه وتعالى من يولى دبره لجهة مخصوصة فقال عز من قائل الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة والاستثناء من الخطر إباحة فكان المحظور تولية مخصوصة وهي ان يولى دبره غير متحرف لقتال ولا متحيز إلى فئة فبقيت التولية إلى جهة التحرف والتحيز مستثناة من الحظر فلا تكون محظورة ونظير هذه الآية قوله سبحانه وتعالى من كفر بالله من بعد ايمانه الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم انه على التقديم والتأخير على ما نذكره في كتاب الاكراه إن شاء الله تعالى وبه تبين أن الآية الشريفة غير منسوخة وكذا قوله سبحانه وتعالى ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وقوله وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ليس بمنسوخ لان التولية للتحيز إلى فئة خص فيها فلم تكن الآيتان منسوختين والله سبحانه وتعالى أعلم والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام للذين فروا إلى المدينة وهو فيها أنتم الكرارون أنا فئة كل مسلم أخبر عليه الصلاة والسلام ان المتحيز إلى فئة كرار وليس بفرار من الزحف فلا يلحقه الوعيد وعلى هذا إذا كانت الغزاة في سفينة فاحترقت السفينة وخافوا الغرق حكموا فيه غالب رأيهم وأكبر ظنهم فان غلب على رأيهم انهم لو طرحوا أنفسهم في البحر لينجوا بالسباحة وجب عليهم الطرق ليسبحوا فيتحيزوا إلى فئة وان استوى جانبا الحرق والغرق بأن كان إذا قاموا حرقوا وإذا طرحوا غرقوا فلهم الخيار عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله لا يجوز لهم انى يطرحوا أنفسهم في الماء (وجه) قوله إنهم لو ألقوا أنفسهم في الماء لهلكوا ولو أقاموا في السفينة لهلكوا أيضا الا انهم لو طرحوا لهلكوا بفعل أنفسهم ولو صبروا لهلكوا بفعل العدو فكان الصبر أقرب إلى الجهاد فكان أولى (وجه) قولهما انه استوى الجانبان في الافضاء إلى الهلاك فيثبت لهم الخيار لجواز أن يكون الهلاك بالغرق أرفق قوله لو أقاموا لهلكوا بفعل العدو وقلنا ولو طرحوا لهلكوا بفعل العدو أيضا إذ العدو هو الذي ألجأهم إليه فكان الهلاك في الحالين مضافا إلى فعل العدو ثم قد يكون الهلاك بالغرق أسهل فيثبت لهم الخيار ولو طعن مسلم برمح فلا بأس بان يمشى إلى من طعنه من الكفرة حتى يجهزه لأنه يقصد بالمشي إليه بذل نفسه لاعزاز دين الله سبحانه وتعالى وتحريض المؤمنين على أن لا يبخلوا بأنفسهم في قتال أعداء الله سبحانه وتعالى فكان جائزا والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان ما يندب إليه الامام عند بعث الجيش أو السرية إلى الجهاد فنقول وبالله التوفيق انه يندب إلى أشياء (منها) ان يؤمر عليهم أميرا لان النبي عليه الصلاة والسلام ما بعث جيشا الا وأمر عليهم أميرا ولان الحاجة إلى الأمير ماسة لأنه لا بد من تنفيذ الأحكام وسياسة الرعية ولا يقوم ذلك الا بالأمير لتعذر الرجوع في كل حادثة إلى الامام (ومنها) أن يكون الذي يؤمر عليهم عالما بالحلال والحرام عدلا عارفا بوجوه السياسات بصيرا بتدابير الحروب وأسبابها لأنه لو لم يكن بهذه الصفة لا يحصل ما ينصب له الأمير (ومنها) ان يوصيه بتقوى الله عز شأنه في خاصة نفسه وبمن معه من المؤمنين خيرا كذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان إذا بعث جيشا أوصاه بتقوى الله سبحانه وتعالى في نفسه خاصة وبمن معه من المؤمنين خيرا ولان الامارة أمانة عظيمة فلا يقوم بها الا المتقى وإذا أمر عليهم يكلفهم طاعة الأمير فيما يأمرهم به وينهاهم عنه لقول الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وقال عليه الصلاة والسلام اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع ما حكم فيكم بكتاب الله تعالى ولأنه نائب الامام وطاعة الامام لازمة كذا طاعته لأنها طاعة الامام الا أن يأمرهم
(٩٩)