القول بالدية في جميع أنواع القتل من غير فصل فدل ان الواجب في الكل على قدر واحد (وروينا) انه عليه الصلاة والسلام جعل دية كل ذي عهد في عهده الف دينا (وروى) أن عمرو بن أمية الضمري قتل مستأمنين فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما بدية حرين مسلمين وعن الزهري رحمه الله أنه قال قضى سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما في دية الذمي بمثل دية المسلم ومثله لا يكذب وكذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال دية أهل الكتاب مثل دية المسلمين ولان وجوب كمال الدية يعتمد كمال حال القتيل فيما يرجع إلى أحكام الدنيا وهي الذكورة والحرية والعصمة وقد وجد ونقصان الكفر يؤثر في أحكام الدنيا (وأما) بيان من تجب عليه الدية فالدية تجب على القاتل لان سبب الوجوب هو القتل وانه وجد من القاتل ثم (الدية) الواجبة على القاتل نوعان نوع يجب عليه في ماله ونوع يجب عليه كله وتتحمل عنه العاقلة بعضه بطريق التعاون إذا كان له عاقله وكل دية وجبت بنفس القتل الخطا أو شبه العمد تتحمله العاقلة وما لا فلا فلا تعقل الصلح لان بدل الصلح ما وجب بالقتل بل بعقد الصلح ولا الاقرار لأنها وجبت بالاقرار بالقتل لا بالقتل واقراره حجة في حقة لا في حق غيره فلا يصدق في حق العاقلة حتى لو صدقوا عقلوا ولا العبد بان قتل انسانا خطأ لان الواجب بنفس القتل الدفع لا الفداء والفداء يجب باختيار المولى لا بنفس القتل ولا العمد بان قتل الأب ابنه عمدا لأنها وان وجبت بالقتل فلم تجب بالقتل الخطأ أو شبه العمد وهذا لان التحمل من العاقلة في الخطأ وشبه العمد على طريق التخفيف على الخاطئ والعامد لا يستحق التخفيف وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة وقيل في معنى قوله عليه الصلاة والسلام ولا عبدا أن المراد منه العبد المقتول وهو الذي قتله مولاه وهو مأذون مديون أو المكاتب لا العبد القاتل لأنه لو كان كذلك لكان من حق الكلام أن يقول لا تعقل العاقلة عن عبد لان العرب تقول عقلت عن فلان إذا كان فلان قاتلا وعقلت فلانا إذا كان فلان مقتولا كذا فرق الأصمعي ثم الوجوب على القاتل فيما تتحمله العاقلة قول عامة المشايخ وقال بعضهم كل الدية في هذا النوع تجب على الكل ابتداء القاتل والعاقلة جميعا والصحيح هو الأول لقوله سبحانه وتعالى ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ومعناه فليتحرر وليود وهذا خطاب للقاتل لا للعاقلة دل ان الوجوب على القاتل ولما ذكرنا أن سبب الوجوب هو القتل وانه وجد من القاتل لا من العاقلة فكان الوجوب عليه لا على العاقلة وإنما العاقلة تتحمل دية واجبة عليه ثم دخول القاتل مع العاقلة في التحمل مذهبنا وقال الشافعي رحمه الله القاتل لا يدخل معهم بل تتحمل العاقلة الكل دون القاتل وقال أبو بكر الأصم يتحمل القاتل دون العاقلة لأنه لا يجوز أن يؤاخذ أحد بذنب غيره قال الله سبحانه وتعالى ولا تكسب كل نفس الا عليها وقال جلت عظمته ولا تزر وازرة وزر أخرى ولهذا لم تتحمل العاقلة ضمان الأموال ولا ما دون نصف عشر الدية كذا هذا (ولنا) أنه عليه الصلاة والسلام قضى بالغرة على عاقلة الضاربة وكذا قضى سيدنا عمر رضي الله عنه بالدية على العاقلة بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير وأما الآية الشريفة فنقول بموجبها لكن لم قلتم أن الحمل على العاقلة أخذ بغير ذنب فان حفظ القاتل واجب على عاقلته فإذا لم يحفظوا فقد فرطوا والتفريط منهم ذنب ولان القاتل إنما يقتل بظهر عشيرته فكانوا كالمشاركين له في القتل ولان الدية مال كثير فالزام الكل القاتل اجحاف به فيشاركه العاقلة في التحمل تخفيفا وهو مستحق التخفيف لأنه خاطئ وبهذا فارق ضمان المال لان ضمان المال لا يكثر عادة فلا تقع الحاجة إلى التخفيف وما دون نصف عشر الدية حكمه حكم ضمان الأموال (وأما) الكلام مع الشافعي رحمه الله فوجه قوله أنه عليه السلام قضى بالدية على العاقلة فلا يدخل فيه القاتل وانا نقول نعم لكن معلولا بالنصرة والحفظ وذلك على القاتل أوجب فكان أولى بالتحمل ثم الكلام في العاقلة في موضعين أحدهما في تفسير العاقلة من هم والثاني في بيان القدر الذي تتحمله العاقلة من الدية (أما) الأول فالقاتل لا يخلو اما إن كان حر الأصل واما إن كان معتقا واما إن كان مولى الموالاة فإن كان حر الأصل فعاقلته أهل ديوانه وإن كان
(٢٥٥)