فسقطت ديونه ضرورة ولا يصير مالكا للأسر لان الدين في الذمة وما في الذمة لا يعمل عليه الأسر وكذلك ما عليه من الديون يسقط أيضا لأنه لو بقي لتعلق برقبته فلا يخلص السبي للسابي وأما ودائعه فهي في جماعة المسلمين وروى عن أبي يوسف رحمه الله انها تكون فيئا للمودع (ووجه) ان يده عن يد الغانمين أسبق والمباح مباح لمن سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه ظاهر الرواية ان يد المودع يده تقديرا فكان الاستيلاء عليه بالأسر استيلاء على ما في يده تقديرا ولا يختص به الغانمون لأنه مال لم يؤخذ على سبيل القهر والغلبة حقيقة فكان فيئا حقيقة لا غنيمة فيوضع موضع الفئ وأما الرهن فعند أبي يوسف يكون للمرتهن بدينه والزيادة له وعند محمد رحمه الله يباع فيستوفى قدر دينه والزيادة في جماعة المسلمين والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان أحكام المرتدين فالكلام فيه في مواضع في بيان ركن الردة وفي بيان شرائط صحة الركن وفي بيان حكم الردة اما ركنها فهو اجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الايمان إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الايمان فالرجوع عن الايمان يسمى ردة في عرف الشرع واما شرائط صحتها فأنواع منها العقل فلا تصح ردة المجنون والصبي الذي لا يعقل لان العقل من شرائط الأهلية خصوصا في الاعتقادات ولو كان الرجل ممن يجن ويفيق فان ارتد في حال جنونه لم يصح وان ارتد في حال افاقته صحت لوجود دليل الرجوع في احدى الحالتين دون الأخرى وكذلك السكران الذاهب العقل لا تصح ردته استحسانا والقياس ان تصح في حق الأحكام (وجه) القياس ان الأحكام مبنية على الاقرار بظاهر اللسان لا على ما في القلب إذ هو أمر باطن لا يوقف عليه (وجه) الاستحسان ان أحكام الكفر مبنية على الكفر كما أن أحكام الايمان مبنية على الايمان والكفر يرجعان إلى التصديق والتكذيب وإنما الاقرار دليل عليهما واقرار السكران الذاهب العقل لا يصلح دلالة على التكذيب فلا يصح اقراره وأما البلوغ فهل هو شرط اختلف فيه قال أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما ليس بشرط فتصح ردة الصبي العاقل وقال أبو يوسف رحمه الله شرط حتى لا تصح ردته (وجه) قوله إن عقل الصبي في التصرفات الضارة المحضة ملحق بالعدم ولهذا لم يصح طلاقه واعتاقه وتبرعاته والردة مضرة محضة فاما الايمان فيقع محض لذلك ايمانه ولم تصح ردته (وجه) قولهما انه صح ايمانه فتصح ردته وهذا لان صحة الايمان والردة مبنية على وجود الايمان والردة حقيقة لان الايمان والكفر من الافعال الحقيقية وهما أفعال خارجة القلب بمنزلة أفعال سائر الجوارح والاقرار الصادر عن عقل دليل وجودهما وقد وجد ههنا الا انهما مع وجودهما منه حقيقة لا يقتل ولكن يحبس لما نذكر إن شاء الله تعالى والقتل ليس من لوازم الردة عندنا فان المرتدة لا تقتل بلا خلاف بين أصحابنا والردة موجودة واما الذكورة فليست بشرط فتصح ردة المرأة عندنا لكنها لا تقتل بل تجبر على الاسلام وعند الشافعي رحمه الله تقتل وستأتي المسألة في موضعها إن شاء الله تعالى ومنها الطوع فلا تصح ردة المكره على الردة استحسانا إذا كان قلبه مطمئنا بالايمان والقياس ان تصح في أحكام الدنيا وسنذكر وجه القياس والاستحسان في كتاب الاكراه إن شاء الله تعالى وأما حكم الردة فنقول وبالله تعالى التوفيق ان للردة أحكاما كثيرة بعضها يرجع إلى نفس المرتد وبعضها يرجع إلى ملكه وبعضها يرجع إلى تصرفاته وبعضها يرجع إلى ولده أما الذي يرجع إلى نفسه فأنواع منها إباحة دمه إذا كان رجلا حرا كان أو عبدا لسقوط عصمته بالردة قال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه وكذا العرب لما ارتدت بعد وقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم ومنها انه يستحب أن يستتاب ويعرض عليه الاسلام لاحتمال ان يسلم لكن لا يجب لان الدعوة قد بلغته فان أسلم فمرحبا واهلا بالاسلام وان أبى نظر الامام في ذلك فان طمع في توبته أو سأل هو التأجيل أجله ثلاثة أيام وان لم يطمع في توبته ولم يسأل هو التأجيل قتله من ساعته والأصل فيه ما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه قدم عليه رجل من جيش المسلمين فقال هل عندكم من مغرية خبر قال نعم رجل كفر بالله تعالى بعد اسلامه فقال سيدنا عمر رضي الله عنه ماذا
(١٣٤)